خُيوطَ اللَّعبَة الأمريكية في اليمن

نحو عقد من الزمان واليمن يدفع فاتورة “حرب سريَّة” تخوضها الولايات المتحدة الأمريكية، وقودها الجيش اليمني وأبناء القبائل من مختلف المناطق والعشائر، بعد تقديم نظام الرئيس السابق صالح، طلباً في الدعم اللوجستي والعسكري في الحرب على ما يسمى “الإرهاب والقاعدة”.
ومُنذ ذلك الحين واليمنيون كافة يدفعون ثمناً باهظ الكُلفة من الأرواح والعتاد في سبيل الحرب الأمريكية الغامضة، بينما أمريكا التي تُعد طرفاً بارزاً ورئيساً في الحرب لم تخسر شيئاً إن لم تكن قد كسبت الكثير الكثير، منذ أن أعلنت حربها على الإرهاب في اليمن.
وقد اتسمت سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الصراع السياسي في اليمن، بكونها تجمع بين مواقف متناقضة، ففي الوقت الذي أعلنت فيه قبل فترة أنها ستراجع دعمها للتحالف العربي الذي تقوده السعودية، نجدها تبحث معها اليوم في ظّل إدارة ترامب عن مناطق آمنة ومعزولة في اليمن.
وعلى الرغم من تأييدها للحكومة اليمنية، مُمثلَّة بالرئيس “عبد ربه منصور هادي” باعتبارها الحكومة اليمنية الشرعية؛ فإن الإدارة الأمريكية في الوقت ذاته تُعبِّر في كثير من الأحيان عن أن الحلَّ للصراع في اليمن لن يتم إلا عن طريق الحوار، لكنها ترفض التدخل والانخراط الحاسم في حل هذا الصراع الذي يؤثر سلباً على أمن واستقرار دول الخليج العربي.
وبصورة فجَّة ومكشوفة نجد الإدارة الأمريكية في حالة تناغم عجيب مع التوسع الإيراني في المنطقة وتتقاطع سياستها الخارجية مع تمدَّد طهران دون اتخاذ أي إجراء يؤمن دول الحلفاء الأصدقاء في الخليج، وهو ما يجعلها تشعر بداهة بالخطر الذي يدفعها للتمسك أكثر بتحالفاتها معها من جهة، ويساهم هذا الوضع بشكل عملي في إبقاء ربيبتها “الكيان الصهيوني” في مأمن ممَّا يحدث في المنطقة من جهة أخرى.
والحاصل أن دخول العنصر اﻷمريكي وبشكل مباشر على خط الصراع والحرب في اليمن، إنما يهدف في الجملة إلى خلط اﻷوراق والعمل على نقل الصراع من حالته المحلية واﻹقليمية إلى حالة أعلى دولية، تتوافق وتلتقي مع حاجة اﻹدارة اﻷمريكية بقيادة “ترامب”، لإيجاد مبرر وذريعة لتمتين وإدارة الصراع في اليمن وإشعال المنطقة في حروب طاحنة.
هذا وتسعى الإدارة الأمريكية في ظَّل رئاسة “دونالد ترامب” إلى تجديد عملها وتنسيقها مع التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، من خلال الإعلان عن توقيع اتفاق معها لإقامة مناطق عازلة “آمنة” في اليمن وسوريا كتكتيك لابتزازها بفزاعة إيران والحوثيين، والتدخل المباشر مُتعدد الأوجه تحت غطاء الحرب على ما يسمى الإرهاب والقاعدة وداعش وحماية المدنيين وحقوق الإنسان، وحماية الأقليات وتقديم المساعدة الإنسانية.
ومن المستبعد إزاء المعطيات سالفة الذكر أن تنجز الإدارة الأمريكية في المستقبل القريب حلاً للصراع في عهد ترامب، هذا إن لم تعمل بجد على توسيع رقعة الحرب واستنزاف الأطراف المتصارعة، خاصة إذا ما استمر ترامب في عدائه للعرب والمسلمين، وربما ستكون سياسة إدارته غير متسقة ومتوافقة مع دول الخليج، وسيقابلها تخوَّف خليجي، بما يشير إلى بقاء الأوضاع في توتر دائم وعدم استقرار نسبي كما هي عليه الأمور حاليّاً.
وعلى كُلّ فالإدارة الأمريكية هي الطرف الوحيد المهيأ للتدخل وإنهاء الصراع إذا ما أرادت ذلك، كما أنها من يقف وراء استمرار الحرب وإطالة أمد الصراع في اليمن، ومن الواضح للعيان أن السياسة الأمريكية سوف تستمر في طرح مشاريع التهدئة واتفاقات وقف إطلاق النار لا أكثر عند كل حدث، ترى فيه خروج دفة الصراع عن سيطرتها والتحكم به، مع عدم تدخلها الحاسم في حل الصراع بشكل نهائي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *