نعم.. الإجماع منعقد على صحة أحاديث البخاري ومسلم

الاعتبار في الإجماع على كل أمر من الأمور الدينية بأهل العلم به دون غيرهم، كما لم يعتبر في الإجماع على الأحكام الشرعية إلا العلماء بها، دون المتكلمين والنحاة والأطباء، وكذلك لا يعتبر في الإجماع على صدق الحديث وعدم صدقه إلا أهل العلم بالحديث وطرقه وعلله، وهم علماء الحديث العالمون بأحوال نبيهم، الضابطون لأقواله وأفعاله، المعتنون بها أشد من عناية المقلدين لأقوال متبوعهم.

الإجماع على صحة أحاديث الصحيحين، وتلقي الأمة لهما بالقبول، صحيح لا شك فيه، ومنعقد لا ريب في انعقاده، ولا يعتبر في الإجماع هنا إلا أهل العلم بالحديث دون غيرهم، ولا عبرة لخلاف من عداهم؛ لأنهم أهل الصناعة وخاصتها، وكلام بعض الحفاظ في بعض أحاديث الصحيحين لا يخرق هذا الإجماع؛ لكون الانتقاد بعيدا عن أصل الصحة، موجها لمدى الالتزام بشرطهما في بعض المواضع.
قال ابن الصلاح: أهل الحديث كثيرا ما يطلقون على ما أخرجه البخاري ومسلم جميعا «صحيح متفق عليه»، ويعنون به اتفاق البخاري ومسلم، لا اتفاق الأمة عليه، لكن اتفاق الأمة عليه لازم من ذلك وحاصل معه؛ لاتفاقها على تلقي ما اتفقا عليه بالقبول، وهذا القسم جميعه مقطوع بصحته، والعلم اليقيني النظري واقع به، خلافا لمن نفى ذلك محتجا بأنه لا يفيد في أصله إلا الظن. علوم الحديث، ص:24.
وقال أبو إسحاق الإسفراييني فيما نقله عنه ابن حجر: «أهل الصنعة مجمعون على أن الأخبار التي اشتمل عليها الصحيحان مقطوع بها عن صاحب الشرع».
وقال ابن القيم رحمه الله: اعلم أن جمهور أحاديث البخاري ومسلم من هذا الباب، فأما ما تلقاه أهل الحديث وعلماؤه بالقبول والتصديق، فهو محصل للعلم، مفيد لليقين، ولا عبرة بمن عداهم من المتكلمين والأصوليين، فإن الاعتبار في الإجماع على كل أمر من الأمور الدينية بأهل العلم به دون غيرهم، كما لم يعتبر في الإجماع على الأحكام الشرعية إلا العلماء بها، دون المتكلمين والنحاة والأطباء، وكذلك لا يعتبر في الإجماع على صدق الحديث وعدم صدقه إلا أهل العلم بالحديث وطرقه وعلله، وهم علماء الحديث العالمون بأحوال نبيهم، الضابطون لأقواله وأفعاله، المعتنون بها أشد من عناية المقلدين لأقوال متبوعهم.
فكما أن العلم ينقسم إلى عام وخاص، فيتواتر عند الخاصة ما لا يكون معلوما لغيرهم، فضلا عن أن يتواتر عندهم، فأهل الحديث لشدة عنايتهم بسنة نبيهم وضبطهم لأقواله، وأفعاله، وأحواله، يعلمون من ذلك علما لا يشكون فيه مما لا شعور لغيرهم به البتة. مختصر الصواعق المرسلة 2/ 373.
وقال أبو الحسن الندوي في مقدمة كتاب «لامع الدراري على جامع البخاري:1-10»: «وليس الاتفاق بين الأمة وعلمائها مجرد مصادفة، ولا عن تواطؤ ومؤامرة، وقد أعاذ الله هذه الأمة التي اختارها لحمل دينه وتبليغ رسالته أن تكون فريسة غفلة وغباوة، وأن تجتمع على الضلال، بل كان ذلك إلهاما من الله».
ويقول ابن الصلاح في علوم الحديث ص:25: «وهذه نكتة نفيسة نافعة، ومن فوائدها القول بأن ما انفرد به البخاري أو مسلم مندرج في قبيل ما يقطع بصحته؛ لتلقي الأمة كل واحد من كتابيهما بالقبول على الوجه الذي فصلناه من حالهما فيما سبق، سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ، كالدارقطني وغيره، وهي معروفة عند أهل هذا الشأن».
وهذه الأقوال السابقة ترد على هذه الشبهة من أساسها، ومن ثم فلا حاجة لنا بجمع علماء الأمة في صعيد واحد للحصول على إجماعهم، أو الطواف على جميع البقاع.
ونحن لا ننكر أن بعض أحاديث الصحيحين كانت محل انتقاد من قبل بعض المحدثين والحفاظ كالدارقطني وغيره، ولكن ما هي طبيعة هذا الانتقاد؟ وهل يصح أن يكون هذا الانتقاد ذريعة للطعن في أحاديثهما جملة، وإهدار قيمتها العلمية والشرعية كما أراد المغرضون؟
لا أبدا؛ قال المحدث أحمد شاكر: “فالحق الذي لا مرية فيه عند أهل العلم بالحديث من المحققين وممن اهتدى بهديهم، وتبعهم على بصيرة من الأمر، أن أحاديث الصحيحين صحيحة كلها، ليس في واحد منها مطعن أو ضعف، وإنما انتقد الدارقطني وغيره من الحفاظ بعض الأحاديث، على معنى أن ما انتقدوه لم يبلغ في الصحة الدرجة العليا التي التزمها كل واحد منهما في كتابه، وأما صحة الحديث في نفسه فلم يخالف أحد فيها” الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث ص:29.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *