ضرورة تصحيح أخطاء المصلين نور الدين درواش

لما كانت الصلاة هي عمود الدين، وأحد أركان الإسلام الخمسة، وأعظم ما أمر الله به بعد الشهادتين كان لزاما على كل مسلم أن يسعى في إصلاحها وأدائها على الوجه المطلوب عملا بأمره صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (‏من توضأ كما أُمر، وصلى كما أمر، غفر له ما قدم من عمل) رواه النسائي وابن ماجة.
و‏عن ‏ ‏عمار بن ياسر ‏ ‏قال‏: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:‏ (‏إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها (رواه أبو داود.
‏ كثير من الناس يصلون على وفق ما رأوا غيرهم يصلي، ولا يحرصون على اتباع الصفة النبوية في أداء هذه الشعيرة العظيمة، وقد شاع عند بعضهم فهم فاسد يعبرون عنه بالدارجة بقولهم “صَلِّ بْعْرْفْكْ أُو رْبِّي قَابْلْ”. وهذا مخالف لفعل النبي صلى الله عليه وسلم فعن أبي هريرة ‏رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ‏ ‏دخل المسجد، فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فرد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (‏ارجع فصل فإنك لم تصل).
فصلى ثم جاء فسلم على النبي ‏ صلى الله عليه وسلم، ‏ ‏فقال:) ارجع فصل فإنك لم تصل( ثلاثا.
فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره؛ فعلمني.
قال: (إذا قُمت إلى الصلاة، فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها) رواه البخاري.
‏ ‏قال القاضي عياض تعليقا على قوله صلى الله عليه وسلم (فإنك لم تصل) ‏:”فيه أن أفعال الجاهل في العبادة على غير علم لا تجزئ، وهو مبني على أن المراد بالنفي نفي الإجزاء وهو الظاهر، ومن حمله على نفي الكمال تمسك بأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمره بعد التعليم بالإعادة، فدل على إجزائها وإلا لزم تأخير البيان، كذا قاله بعض المالكية وهو المهلب ومن تبعه، وفيه نظر لأنه صلى الله عليه وسلم قد أمره في المرة الأخيرة بالإعادة فسأله التعليم فعلمه، فكأنه قال له أعد صلاتك على هذه الكيفية” (فتح الباري2/360).
ومن الناس من إذا نُصح بشأن خطأ يرتكبه في صلاته نهر ناصحه عوض أن يشكره وقال له: هلا نصحت إلى الذين لا يصلون أصلا!!
إن الاستهانة بأخطاء الصلاة أمرها جسيم وخطرها عظيم وهي علامة على ضعف الإيمان وقلة العلم… فرفع البصر في الصلاة خطأ يرتكبه كثير من الناس ولا يعبؤون به، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في شأنه: “‏ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم فاشتد قوله في ذلك حتى قال لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم” رواه البخاري.
ومسابقة الإمام أمر قد ابتلي به -مع الأسف- أكثر المأمونين وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأنه:(‏أما يخشى أحدكم أو لا يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار، أو يجعل الله صورته صورة حمار) رواه البخاري ومسلم.
وتسوية الصفوف من الأمور التي يحتقرها بعض الناس أيضا ويشمئزون من الحريص عليها، بل قد يتعدى الأمر بهم إلى أن يعادوه ويمقتوه، وقد ورد فيها ما لو عقلوه لما فرطوا في هذه السنة، قال صلى الله عليه وسلم: (لتُسَوُّنَّ صفوفكم، أو ليخالفن الله بين قلوبكم) متفق عليه.
وقد ألف الشيخ مشهور حسن سلمان حفظه الله كتابا جامعا سماه “القول المبين في أخطاء المصلين”، قال في مقدمته: “ولهذا كان من الضّروري جدّاً تنبيهُ المسلمين إلى أخطائهم في الأقوال والأفعال التي دخلت في الدّين، خوفاً من خفائها على بعضهم فيقعوا فيها، متقرّبين بها إلى الله سبحانه وتعالى!! ومن أهم ما ينبغي تبيينُه لهم: أخطاؤهم في الصّلاة، وتكاسلهم عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم فيها، لأن الصّلاة بمنزلة الهدية التي يتقرّب بها النّاسُ إلى ملوكهم وكبرائهم، فليس مَنْ عمد إلى أفضل ما يقدر عليه، فيزينه ويحسّنه ما استطاع، ثم يتقرّب به إلى مَنْ يرجوه ويخافه، كمن يعمد إلى أسقط ما عنده وأهونه عليه، فيستريح منه، ويبعثه إلى مَنْ لا يقع عنده بموقعٍ، وليس مَنْ كانت الصَّلاةُ ربيعاً لقلبه وحياةً له، وراحةً وقرةً لعينه، وجلاءً لحزنه، وذهاباً لهمّه وغمّه، ومفزعاً إليه في نوائبه ونوازله، كمن هي سُحْتٌ لقلبه، وقيْدٌ لجوارحه، وتكليف له، وثقل عليه، فهي كبيرة على هذا، وقرة عين وراحة لذلك”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *