حينما نقول أن كل من رأى النبي مؤمناً به ومات على الإيمان فإن له شرف الصحبة، وما يلزم منها من العدالة ودخولهم الجنة بوعد الله تعالى لهم بقوله: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاَّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (الحديد:10)؛ فليس معنى هذا أن الصحابة كلهم على مرتبة واحدة، بل هم على طبقات ودرجات، حددها عدل الله سبحانه وتعالى. إذ فيهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، وفيهم من تلوهم وتبعوهم بإحسان، فكان لابد أن يتفاوتوا في الفضل والمرتبة والزلفى عند الله تعالى، لذلك رتبهم العلماء الذين اعتنوا بهم إلى طبقات، وقد اختلفوا في ترتيب تلك الطبقات باعتبارات مختلفة.
فقسمهم ابن سعد في طبقاته على حسب القدم والمشاهد إلى خمس طبقات، هي:
الأولـى : البدريون من المهاجرين.
الثانيـة : البدريون من الأنصار.
الثالثـة : الذين لم يشهدوا بدراً ولهم إسلام قديم.
الرابعـة: الذين أسلموا قبل الفتح.
الخامسة : الذين أسلموا بعد الفتح.
ورتبهم الحاكم في معرفة علوم الحديث إلى اثنتي عشرة طبقة وهي كالآتي:
الأولى: قوم أسلموا بمكة مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم رضي الله عنهم.
الثانية: أصحاب دار الندوة.
الثالثة: المهاجرون إلى الحبشة.
الرابعة: الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم عند العقبة.
الخامسة: أصحاب العقبة الثانية.
السادسة: أول المهاجرين الذين وصلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء قبل أن يدخل المدينة ويبني المسجد.
السابعة: أهل بدر الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم: (لعل الله أطلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم قد غفرت لكم).
الثامنة: المهاجرون الذين هاجروا بين بدر والحديبية.
التاسعة: أهل بيعة الرضوان الذين أنزل الله تعالى فيهم قوله: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}.
العاشرة: المهاجرة بين الحديبية والفتح، منهم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وأبو هريرة( ).
الحادية عشرة: الذين أسلموا يوم الفتح وهم جماعة من قريش.
الثانية عشرة: صبيان وأطفال رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وفي حجة الوداع وغيرهما.
والناظر في تقسيم الحاكم يرى أنه قائم على السبق في دخول الإسلام بغض النظر عن أية عوامل أخرى، بخلاف ما جرى عليه ابن سعد في طبقاته من اعتماده المشاهد والسبق إلى الإسلام معاً، فعنده أن المهاجر البدري أعلى رتبة من الأنصاري البدري باعتبار عامل السبق، ومن شهد بدراً من المهاجرين والأنصار فهو أعلى رتبة ممن لم يشهدها وإن كان إسلامه قديماً.
هذا الترتيب والمفاضلة بين الصحابة رضي الله عنهم على سبيل الإجمال، أما على سبيل الأفراد لكل منهم فقد ذهب جمهور علماء أهل السنة إلى أن أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر؛ ثم عمر؛ ثم عثمان؛ ثم علي؛ ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة؛ ثم أهل بدر؛ ثم أهل أحد؛ ثم أهل بيعة الرضوان وممن لهم مزية من أهل العقبتين من الأنصار والسابقين الأولين. (تدريب الراوي: 2/223).