لمصلحة من يدفع المغرب دفعا إلى استحلال الخمر وترسيم تناولها؟ نبيل غزال

إذا كان موضوع بيع الخمور والمتاجرة فيها بصفة عامة محسوم من الجهة الشرعية، لدلالة الكتاب والسنة والإجماع على تحريم استهلاك هذا المشروب الخبيث والمتاجرة فيه، وإذا كان القانون المغربي يمنع بيع “المشروبات الكحولية”=الخمور للمغاربة المسلمين، ويمنع أيضا إشهارها، فإننا بالمقابل نجد أن بلدنا أصبح من أكبر مصنعي الخمور على الصعيد العربي والعالمي أيضا، حيث أصبحت مجموعة “ديانا هولدينغ” تنافس معاصر مدينة بوردو الفرنسية، علما أن فرنسا هي أكبر مصنع للخمور في العالم.

فمجموعة “ديانا هولدينغ” لمالكها إبراهيم زنيبر البالغ من العمر 88 سنة، تتربع على عرش إنتاج الخمور في المغرب، وتسيطر على %85 من السوق المحلي، ويبلغ رقم معاملاتها السنوي مليارين ونصف المليار درهم، وتستغل حوالي 8400 هكتار من أراضي المغرب المزروعة، وتنتج حوالي 38 مليون قنينة سنويا، %85 منها يتم استهلاكه محليا.
وحسب ما نقله المكتب الأجنبي للدراسات ”سيكوديب” فإن 30% من مستهلكي الخمر يتناولونها أسبوعيا، و35% سنويا، و35% في المناسبات.
وحسب المكتب نفسه فإن 100% من مستهلكي النبيذ يتناولونه أثناء الاحتفالات والمهرجانات، وبصفة أخص في الاحتفال رأس السنة الميلادية، ويمثل الأجانب سواء كانوا مقيمين أو سياحا 20% فقط من المستهلكين، والباقي مصيره بطون المغاربة المسلمين.
ووفقا لما كشفت عنه وكالة الأنباء الأميركية “أسوشيتد بريس” فإن المغرب أصبح من بين أكبر البلدان العربية إنتاجا للخمور، إذ تم تصنيع 35 مليون قنينة خمر في المغرب خلال سنة 2008، ومن أصل 27 مليون قنينة أنتجتها أكبر شركة للخمر في المغرب السنة الماضية، تم تصدير مليوني قنينة فقط لأروبا والولايات المتحدة الأميركية.
وأوردت الوكالة نفسها أن متوسط استهلاك الخمر لكل مغربي يبلغ لترا واحدا في السنة، وأن الدولة المغربية هي أكبر مالك لحقول الكروم بما يقارب 12 ألف هكتار.
إن الوقائع التاريخية التي سجلها مغاربة وغيرهم تؤكد أن صناعة الخمور بالمغرب سبقت بعشرات القرون وصول الأجانب إلى البلاد، لكن الاحتلال أسهم بصورة رئيسة في التمكين لتجارة الخمور في المغرب، فعندما استقر التجار الأجانب والدبلوماسيون ببعض الموانئ المغربية وخاصة طنجة والصويرة وآسفي، تمادوا في ترويج المشروبات الكحولية/ الخمور في وسط المغاربة، وكانوا يتجاوزون الكميات المسموح لهم باستيرادها لاستهلاكهم الشخصي بغية تحقيق هدفين اثنين: استقطاب المزيد من الجواسيس استعدادا لغزو البلاد عسكريا، وكسب أرباح مالية من بيع الخمور.
وكانت مختلف أنواع الخمور آنذاك تستورد من إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وانجلترا وأمريكا، وتعرض في الأسواق بثمن بخس، ولم يتجاوز ثمن زجاجة “البيرة” بسيطة واحدة، ومن حدود الموانئ بدأت الخمور تغزو المناطق الداخلية.
وبعد مرور عام على توقيع معاهدة الحماية شرعت شركة “كومباني ماروكان” الاستعمارية سنة 1913م في غرس العنب الخاص بإنتاج الخمور في ناحية القنيطرة.
وبلغ إنتاج الخمر سنة 1922م أكثر من أربعين ألف هيكتوليتر، وفي سنة 1934م وصل إلى ستمائة ألف هيكتوليتر .
واليوم يحمل مشعل الفساد والإفساد في المجتمع مجموعات وشركات وطنية لا يهمها لا دين، ولا أخلاق ولا قيم، ولا ما تخلفه تجارتها العفنة من جرائم وأمراض وظواهر سلبية، فالمهم بالنسبة لها هو الربح، والربح المادي فقط.
وأصبح في المغرب البلد المسلم، ثلاث مناطق معروفة بإنتاج الخمور، وهي منطقة مكناس، ومنطقة الرماني/بن سليمان/حد البراشوة في الوسط، ومنطقة الصويرة في الجنوب، وهي مناطق توفر 38 مليون قنينة سنويا، يسوق غالبها في السوق الوطنية.
فالمقصود واضح ولا يحتاج إلى كثير بيان، فأهداف الإمبريالية الاقتصادية حين تتوافق مع أطماع الامبريالية السياسية تسحق إرادة الشعبِ وتقضي على مصالحه، ونحن نشاهد اليوم كيف يعمل اللوبي الاقتصادي على إعادة تشكيل عقلية المغربي، وإغراق السوق الوطنية بالخمور، وجعل المغرب في مصاف الدول الكبرى المسوقة لهذا المشروب الخبيث، رغم المخالفة الصريحة للدين والقانون، وهو ما جعل “جاك بولان” أحد منتجي العنب الفرنسيين الذي يشرف على مزارع الضيعة الحمراء التي توجد في تراب جماعة حد البراشوة والتي تبلغ مساحتها 220 هكتارا، لا يشعر بأي توجس أو ريبة وهو يصرح بقوله: “بإمكان خمور المغرب أن تنافس أفضل خمور العالم القديم والحديث”، “لابد من القطع مع تلك الصورة البالية والتحقيرية (للخمور/الكسكس)، فالتربة المغربية رائعة، وتم تحقيق تقدم كبير في جميع مراحل إنتاج الخمور، والجودة تتحسن سنة بعد سنة”.
والدليل على ذلك، يضيف هذا الفرنسي سليل الجنرال ليوطي “أن منتوجا مغربيا (يسمى تانديم ميللسينرم 2006) حصل لأول مرة على تنقيط من روبير باركر، الخبير الذي يتوجس كل المهنيين أحكامه”.
وصدق الزعيم علال الفاسي رحمه الله حين قال: “لولا الأجنبي ما دخلت الخمور للبلاد، ولا تكونت معاصر وحانات تسهل الشرب على من أراد، وتفتح مجال القدوة للجميع”. (النقد الذاتي لعلال الفاسي، ص: 314).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *