معايير النصر والهزيمة في الحروب لا تقاس أبدا بالخسائر البشرية والمادية، وإنما تقاس بتحقيق الأهداف المسطرة قبل الحرب، وتمكن المنتصر من فرض شروطه والواقع السياسي الذي يريده، فإذا استطاع أحد أطراف الصراع أن يحدث واقعا سياسيا جديدا على الأرض أو يحافظ على وضع سياسي قائم فهو منتصر بغض النظر عن نسبة خسائره من الأرواح والممتلكات.. أما إذا خرج من المعركة كما دخل بدون تحقيق تغيير سياسي ملموس على الأرض، فهو مهزوم بغض النظر عن أي مكاسب بشرية أو مادية حققها..
فالجيش الألماني في الحرب العالمية الثانية وقف علي أبواب مدينة “ستالنجراد” الروسية وضربها بكل قوته، ودمر المدينة بالكلية وقتل فيها أزيد من 200.000 من أهلها والمدافعين عنها، ثم تركها قاعاً صفصفاً، وفشل في مواصلة تقدمه بالأراضي الروسية، وكان ذلك بداية انهيار الجيش الألماني، فهل قال أحد من كتاب الروس أو غيرهم أن ألمانيا قد انتصرت على “ستالنجراد”، أو أن الروس هزموا. وكذلك فرنسا تمكنّت من قتل مليوني جزائري إبان فترة احتلالها، لكنّها لم تتمكّن من وأد الثقافة العربية والإسلامية في الشعب الجزائري المسلم، فخرجت مذؤومة مدحورة.
إن العالم بأسره والصهاينة أنفسهم قد اعترفوا بأنهم قد فشلوا في عدوان غزة، ولم يتمكنوا من تحقيق أهدافهم التي سطروها من قبل، لكن وللأسف- مازالت بعض الأقلام المسمومة تجادل في هذا الفشل وتصف جهاد الأبطال من أهل غزة بأنه هزيمة.
ولكشف كذبهم وتواطئهم نعرض بعض الأهداف التي سطرها الصهاينة في أجندتهم قبل العدوان، لنرى هل تحقق شيء منها أم لا؟
1ـ استعادة الجندي الأسير “شاليط” وخصصت من أجل ذلك وحدة مدربة في جيشها مزودة بأحدث الأجهزة للتعقب والبحث، فعادت من دونه وحتى من دون أن تلتقط أدنى خيط يقود إليه.
2ـ وقف صواريخ المقاومة التي دائما ما يصفها الجبناء والعملاء بأنها عبثية, فلم تتوقف يوماً واحداً طوال أسابيع الحرب الثلاثة عن بث الرعب والفزع في الكيان الصهيوني الغاصب، بل زاد مداها حتى وصل لستين كيلو متر، وذلك رغم القصف الجوي المهول (مليون كلغ من المتفجرات) على أرض غزة الصغيرة.
3ـ إنهاء المقاومة الإسلامية، والقضاء على حركة حماس، وهو الهدف المعلن من الحرب، فزادت الحرب من شعبية حماس، واتسع تأثيرها ونفوذها في المنطقة, حتى أصبحت طرفاً فاعلاً، ولاعباً مهماً على الساحة، لا يمكن إغضاؤه أو تجاهله، حتى من قبل الكيان الصهيوني نفسه، حتى أجبر هو وشركاؤه على الدخول في مفاوضات معها بوساطة مصرية.
4ـ إعادة احتلال غزة إن لزم الأمر لإنهاء المقاومة وإيقاف صواريخها، فلم تستطع “فرقة جولاني” التي يتباهي اليهود بقدراتها وإمكاناتها الكبيرة أن تتقدم مترا واحداً داخل المناطق الكثيفة داخل قطاع غزة، وفقدت العديد من قادتها وجنودها في القتال مع المقاومة.
5ـ تصفية قادة حماس وكوادرها لكسر ظهر الحركة، فلم تستطع سوى تصفية قائدين أحدهما نزار ريان، والآخر اغتيل غدراً وخيانة بواسطة أحد الخونة وهو سعيد صيام، وذلك من جملة 500 قائد سياسي وميداني، على الرغم من جيش العملاء والخونة الرابض في جحوره بالقطاع وخارجه، استعداداً لمثل هذه الظروف، والذي سبق وأن قدم في هذا الباب خدمات جليلة للكيان الصهيوني.
6ـ كسب الرأي العالمي والتعاطف الخارجي لما يسميه الصهاينة محنة مواطنيها مع صواريخ المقاومة، فانقلب السحر على الساحر، وكشفت المشاهد المروعة لضحايا المجازر الصهيونية في القطاع عن مدى وحشية الصهاينة وعنصريتهم واستخفافهم بالنفس البشرية، وتجردهم من أدني معاني الإنسانية، حتى أن الهيئات الدولية والمعروفة بانحيازها الدائم للصهاينة أو السكوت على جرائمهم، أدانت جريمة الإبادة التي حدثت بالقطاع، ووصفتها بالبربرية والوحشية والنازية.
7ـ إعادة الثقة للجيش الصهيوني عقب هزيمة يوليو 2006، ورفع معنويات الجندي الصهيوني، فإذا بها تزداد انهيارا، على الرغم من أن الحرب كانت مع رجال مقاومة وليس جيشاً نظامياً، إمكانياتهم محدودة للغاية، مما أدى إلى رفع معنويات المدافعين لأعلى المستويات.
8ـ تسليم القطاع لحفنة المسترزقين بالقضية في رام الله من شيعة العلماني عباس المنتهية ولايته، وعملاء “دايتون”، وخونة التيار الانقلابي من أتباع فأر غزة المذعور، ومجرمي الأمن الوقائي، فأدى الأمر لانكشاف أمرهم للعالم بأسره، وافتضاح عمالتهم وخيانتهم للأمة.
فرأينا محمود عباس يرفض تقديم طلب للمحكمة الدولية لمجرمي الحرب لإدانة قادة اليهود الصهاينة، ويرفض حضور قمة غزة بالدوحة، ويقمع المظاهرات المؤيدة لغزة في الضفة، ويعتقل المئات من المقاومين هناك لمنعهم من التوجه لنصرة إخوانهم، فعرف الناس قاطبة من هؤلاء، وسقطت عنهم آخر ورقة توت كانت تواري سوءاتهم، مما أدى إلى توحد الرأي العام ضدهم، وها هي الدول المانحة لإعادة إعمار غزة تعلن عن فقدان هذه الحفنة من العلمانيين للمصداقية والأهلية والنزاهة، فلم تعطها شيئاً من المساعدات خشية ضياعها.
أضف إلى ذلك تكلفة الحرب على غزة والتي كبدت الكيان الصهيوني الغاصب عشرة ملايير دولار ونصف، وهي ما يوازي ما تم إنفاقه علي الحملات الدعائية طيلة أربعين سنة لتجميل الوجه القبيح للكيان الصهيوني الغاصب. (انظر مقال: خطاب مفتوح للمؤلفة جيوبهم!، شريف عبد العزيز).
فمن المنهزم في حرب غزة؟