التصوف تدين رسمي أم الطابو مسكوت عنه مصطفى الحسناوي

قديما قيل أن من بيته من الزجاج لا يرم الناس بالحجارة، الذين يحاسبون الناس لأنهم اختاروا مذهبا عقديا أو فقهيا مخالفا للمذهب الرسمي، ويرمونهم بشتى التهم والنقائص، انطبق عليهم المثل المذكور، فراحوا يستهزئون باختيارات الناس العقدية والفقهية والمذهبية، ويشنون حملات تشويه وتزييف بل وتحريض على أناس لا لشيء سوى لأنهم اختاروا طريقة في التدين تخالف ما تدعو إليه الدولة. فاستحقوا بذلك أن يوصفوا إما بالتشدد أو التعصب أو التنطع أو الوهابية أو الحنبلية.
لكن ما حقيقة هذا الدين الذي ترعاه الجهات الرسمية، وتدعو إليه وتروج له وتحميه؟
إذا سألت مسؤولا هذا السؤال فلن يتردد في إجابتك، أن المغرب بلد إسلامي أشعري العقيدة مالكي المذهب صوفي على طريقة الجنيد، وإذا سألته عن سر هذه الخلطة، أجابك أن المغاربة اختاروا ذلك رغبة منهم في الاستقرار والوسطية والاعتدال.
فإذا سألته متى اجتمعوا واختاروا وكيف تم ذلك، فلن تجد جوابا، أما إن سألته أين تتجلى الوسطية والاعتدال واحترام الرأي الآخر عند كل من الأشعري والجنيد والإمام مالك، فلن تسمع إلا هراء وكلاما فارغا، لأن مخاطبك ليس لديه أي فكرة عما يتحدث عنه.
الجهات الرسمية وغيرها التي اختارت رمي بيوت الناس بالحجارة، نسيت أن بيتها الزجاجي أوهن من بيت العنكبوت، وأقصد تحديدا الشأن الديني، الذي اتخذته حقلا لتجاربها، ولندع الحديث عن الاختيار العقدي والفقهي الذي تدعيه وتلزم الناس به، لوقت لاحق، ولنتحدث قليلا عما يحلو لها تسميته تصوف الجنيد.
يتبادر للذهن أن اختيار مذهب الجنيد في التصوف، تم من بين مذاهب أخرى، وفق معايير وحاجات ومتطلبات وشروط معينة. لكن الحقيقة أن تصوف الجنيد هو التصوف الموجود في العالم كله، لأن الجنيد ليس صاحب مذهب في التصوف فقط، بل هو مؤسس التصوف الإسلامي وواضع قواعده ومصطلحاته، وكل متصوفة المسلمين يدعون أنهم على مذهب الجنيد وطريقته.
وقلت التصوف الإسلامي، لأن التصوف قديم قدم الإنسان، موجود في الديانات الوثنية، والسماوية قبل الإسلام، وفي الفلسفة اليونانية والغنوصية ونظرية الفيض الأفلوطينية والإشراق والحلول والاتحاد، وهذا ما نستخلصه من خلال نصوص معتمدة عند هذه المذاهب والديانات.
إن الهدف من التصوف في جميع الفلسفات والديانات هو حصول المعرفة، والاتصال بالخالق والاتحاد به والفناء فيه، وهذا هو الإشراق والاستنارة كما يسمونها، حيث إن النفس عندما تتطهر وتتحرر، من الماديات ممثلة في الشهوات والرغائب والملذات، تلقى فيها المعرفة الاشراقية (= العلم اللدني).
وللوصول إلى الإشراق والفناء، يتجرد المتصوف عن الدنيا وما فيها ويختار العزلة والخلوة، ويعذب نفسه بالمشاق والجوع والرياضات والذكر، وغير ذلك من الأمور التي يشترك فيها كل المتصوفة في كل الفلسفات والأديان.
أما التصوف السني، فما هو إلا طريقة الإشراق ممزوجة بالإسلام، وطريقة الإشراق هي الطريقة الوحيدة الأزلية التي يستعملها المتصوفة في كل الأمم وهي طريقة قديمة وجدت مع وجود الصوفية في أعماق التاريخ، وأسلوبها الأممي التاريخي القديم الحديث هو أن يميت السالك إحساساته وأعصابه بإرهاقها إرهاقا شديدا بإخضاع نفسه للرياضة، وهي كما يقول الغزالي الخلوة والصمت والجوع والسهر. وقد يضاف إليها شيء من تعذيب الجسد. للوصول إلى حالة النيرفانا.
عودة الآن إلى التصوف الإسلامي، إن المتأمل في أحوال متصوفة المسلمين وعقائدهم ورياضاتهم ومجاهداتهم، لا يجد فيها التزاما كليا بمبادئ الإسلام وتعاليمه، إنها أقرب ما تكون شبها بالمذاهب التي مرت معنا، وهناك أدلة وشواهد وقرائن كثيرة، تبين أن طريقة الإشراق التي عرفتها الديانات والفلسفات القديمة، هي نفسها التي تسربت إلى المسلمين تحت مسمى الصوفية.
وأول هذه الأدلة والقرائن، اسم الصوفية نفسه. والذي ليست له أي علاقة بالإسلام، ولم يستعمل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد أصحابه. كما أن الكلمة ليست عربية. زد على ذلك التضارب والتناقض في تعريف الصوفية بين علمائها وشيوخها أنفسهم، تعاريف كالألغاز والأحاجي لا تخرج منها بطائل، هذه أمثلة منها:
التصوف هو: “أن تكون مع الله تعالى بلا علاقة”.
وقيل لأبي الحسين أحمد بن محمد النوري: من الصوفي؟ فقال: “من سمع السماع وآثر بالأسباب”.
ونقل القشيري عن أحدهم أنه قال: “التصوف عقدة لا صلح فيه”.
إن إلقاء نظرة على كتب التصوف والصوفية والطرق والطرقية في المغرب، ستكشف لكل ناظر ما يخالف العقل والنقل معا، من ألغاز وأحاجي وعبادات وطقوس وخروقات، لا يقبلها العقل.
فكيف نقبل بهذا ولا ندعو لمراجعته وتنقيحه وتنقيته؟
كيف نتهم الآخرين بالتطرف وتغييب العقل، وكتب القوم حبلى بذلك؟
كيف نتهم الغير بمخالفة ما كان عليه علماء الأمة وأئمة مذهبها، والطرقية في المغرب غارقة في الخزعبلات المخالفة لما كان عليه أئمة المذهب؟
لماذا لا نسمع دعوات لكسر هذه الطابوهات، وإثارة النقاش بشأنها، وتداولها، واختبارها، لمعرفة الحقيقة من الخرافة؟
هذه دعوة جادة لكسر كل الطابوهات والمسلمات الرسمية وغير الرسمية، لمعرفة على أي أساس تقوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *