من الأخطاء الشائعة في مصادر ومراجع التاريخ القديم والآثار المعتمدة في أقسام الآثار والتاريخ إسقاط سيرة إبراهيم عليه السلام من تاريخ العراق القديم (دولة أور الثالثة) على اعتبار أنه غير حقيقي، وبعض المصادر التي تعالج سيرته تزعم أنه كان يدين باليهودية، وأن اليهود هم شعب الله المختار، وأن الله قد وعدهم أرض فلسطين بحدود من النيل إلى الفرات بعد إخراج الكنعانيين (العرب) منها.
واستناداً إلى هذا الوعد المفترى، اغتصب اليهود فلسطين بيت المقدس على اعتبار أنهم ورثة هذا النبي الكريم إبراهيم عليه السلام في زعمهم بعد أن أبادوا وشردوا شعب فلسطين، ويعملون بجد واهتمام لاستكمال اغتصاب ما تبقى من الأرض التي بارك الله فيها للعالمين، واستطاعوا بتزويرهم للحقائق التاريخية أن ينتزعوا اعتراف المجتمع الدولي.
وقد كشفت لنا المصادر الإسلامية هذا التزييف والتزوير الذي أوقعه المستشرقون ومن سار على نهجهم بتاريخ إبراهيم عليه السلام، وتاريخ الوعد الرباني له، وتاريخ الأرض التي بارك الله فيها للعالمين.
القرآن الكريم يؤكد أن دين إبراهيم عليه السلام هو الإسلام: يقول رب العالمين: “وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ، إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ العَالَمِينَ، وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ” (البقرة).
وينفي رب العالمين عن إبراهيم اليهودية والنصرانية: “مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِياًّ وَلاَ نَصْرَانِياًّ وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ” (آل عمران).
وأوضح رب العالمين سبحانه أن أبناء إبراهيم هم المسلمون وليسوا اليهود، حيث نجد في القرآن الكريم دعاء إبراهيم عليه السلام: “رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ” (البقرة). كما نقرأ فيه قوله تعالى: “إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ المُؤْمِنِينَ” (آل عمران)، “إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ” (المائدة).
واليهود ليسوا كذلك، لأنهم كفروا بالله والرسالات، وانتهكوا الحرمات، واستحلوا الدماء والأعراض والأموال، والكافر لا يرث مسلماً، وتتضح هنا الحقيقة الشرعية والتاريخية في رد الله تعالى على إبراهيم عليه السلام حينما أكرمه الله بإمامة المسلمين، فطلب من الله أن تكون الإمامة في عقبه من بعده، وجاء الرد: “قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ” (البقرة). فكل من كان ظالماً، لم يكن نبياً ولا خليفة، ولا حاكماً ولا مفتياً، ولا إمام صلاة، ولا يقبل عنه ما يرويه عن صاحب الشريعة، ولا تقبل شهادته في الأحكام. واليهود ظلمة، ومن ثم فلا حق لهم في وراثة إبراهيم عليه السلام.
ويؤكد ذلك قول الله تعالى: “وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ” (الأنبياء).
نخلص من العرض السابق إلى الحقائق الآتية الغائبة عن مصادر ومراجع التاريخ القديم: ومن ذلك:
– إن إبراهيم عليه السلام رسول مسلم وإلى الإسلام كان يدعو، وأن أتباعه وذريته هم المسلمون، وليسوا اليهود.
– إن أوْلى الناس بإبراهيم في وراثة فلسطين (المسجد الأقصى)، وأوْلى الناس بالإمامة من بعده هم المسلمون وليسوا اليهود، وليسوا ممن يدينون بغير الإسلام مهما كانت جنسياتهم.
– إن اليهود مغتصبون لأرض الرسالات فلسطين والأقصى، مهما زوَّروا في حقائق التاريخ، ومهما حازوا من دعم المجرمين، ومهما نالوا من موافقات المنظمات الدولية والدول غير الإسلامية، ومهما حازوا من تنازلات من أصحاب الحق في بيت المقدس.
ولتغييب هاته الحقائق عن وعي المسلمين لا يفتأ العلمانيون عن المطالبة بقراءة جديدة للقرآن والسنة تتلاءم وما تروج له المنظمات الماسونية من قيم التعايش والتسامح وفق المفهوم العلماني الذي يستوي فيه من آمن بالله واتبع رسوله بمن يكفر به ويعتبر الدين من خَلْق الإنسان وصنعه.