عقوبة جريمة الاغتصاب في الشرع الحكيم وحكم المغتصِب والمغتصبَة

الاغتصاب إكراه على الزنا؛ والزنا من المحرمات الظاهرة المعلومة بالضرورة، قال تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً، إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} (الفرقان 68 – 70) .

وفي الزنا من الشرور والمفاسد الشيء الكثير؛ قال ابن القيم رحمه الله: “والزنا يجمع خلال الشر كلها من قلة الدين وذهاب الورع وفساد المروءة وقلة الغيرة..
ومن موجباته غضب الرب بإفساد حرمة عياله؛ ومنها سواد الوجه وظلمته وما يعلوه من الكآبة والمقت؛ ومنها ظلمة القلب وطمس نوره.. ومنها ضيق الصدر وحرجه” (روضة المحبين 360).
أما الاغتصاب فهو أفحش وأفظع لأنّه إكراهٌ على ممارسة الزِّنا فهو أشد حرمةً منها.
وقد نصت الشريعة الإسلامية أن على المغتصِب حد الزنا، وهو الرجم إن كان محصناً، وجلد مائة وتغريب عام إن كان غير محصن. وأوجب عليه الإمام مالك وغيره أن يدفع للمغتصبة مهرها.
قال الإمام مالك رحمه الله: “الأمر عندنا في الرجل يغتصب المرأة بكراً كانت أو ثيبا: أنها إن كانت حرة: فعليه صداق مثلها، وإن كانت أمَة: فعليه ما نقص من ثمنها، والعقوبة في ذلك على المغتصب، ولا عقوبة على المغتصبة في ذلك كله” اهـ. (الموطأ 2/734).
قال الشيخ سليمان الباجي رحمه الله: “المستكرَهة؛ إن كانت حرة: فلها صداق مثلها على من استكرهها، وعليه الحد، وبهذا قال الشافعي، وهو مذهب الليث، وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وقال أبو حنيفة والثوري: عليه الحد دون الصداق.
والدليل على ما نقوله: أن الحد والصداق حقان: أحدهما لله، والثاني للمخلوق، فجاز أن يجتمعا كالقطع في السرقة وردها” انتهى. (المنتقى شرح الموطأ 5/268-269).
وقال ابن عبد البر رحمه الله: “وقد أجمع العلماء على أن على المستكرِه المغتصِب الحدَّ إن شهدت البينة عليه بما يوجب الحد، أو أقر بذلك، فإن لم يكن: فعليه العقوبة (يعني: إذا لم يثبت عليه حد الزنا لعدم اعترافه، وعدم وجود أربعة شهود، فإن الحاكم يعاقبه ويعزره العقوبة التي تردعه وأمثاله) ولا عقوبة عليها إذا صح أنه استكرهها وغلبها على نفسها، وذلك يعلم بصراخها، واستغاثتها، وصياحها” انتهى. (الاستذكار 7/146).
وكون المغتصب عليه حد الزنا، هذا ما لم يكن اغتصابه بتهديد السلاح، فإن كان بتهديد السلاح فإنه يكون محارباً، وينطبق عليه الحد المذكور في قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (المائدة:33).
فيختار الحاكم من هذه العقوبات الأربعة المذكورة في الآية الكريمة ما يراه مناسباً، ومحققاً للمصلحة وهي شيوع الأمن والأمان في المجتمع، ورد المعتدين المفسدين. والله أعلم. (انظر الإسلام سؤال وجواب للشيخ محمد المنجد).
أما المكره فإنه لا إثم عليه قال تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (الأنعام:119).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه). (رواه الحاكم وابن ماجة انظر صحيح الجامع 1836).
وقد روي أن امرأةً استكرهت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدرأ عنها الحد. (سنن الترمذي وابن ماجة ومسند أحمد؛ انظر الإرواء 7/341).
وهذا لا إشكال فيه بحمد الله.
قال صاحب المغني ولا نعلم فيه مخالفا 12/346.
لكن اختلف أهل العلم هل يُكْرَه الرجل على الزنا أم لا على قولين:
القول الأوّل: أنه لا يمكن إكراهه فإذا أُكره فزنى حُدَّ على زناه وهو مذهب أبي حنيفة. (شرح فتح القدير 4/157).
القول الثاني: أنه يمكن إكراهه فإذا أُكره فزنى دُرِأ عنه الحد وهو مذهب الشافعيّة. (المهذب 2/284).
واستدل أصحاب القول الأول بأن الوطء لا يكون إلا بالانتشار والإكراه ينافيه. فإذا وجد الانتشار انتفى الإكراه فيلزمه الحد. (المغني 12/348).
واستدل أصحاب القول الثاني بعموم النصوص الواردة في رفع الحرج عن المكره، وأنه لا فرق بين الرجل والمرأة فإذا لم يجب عليها الحد لم يجب عليه أيضاً. ولأن الانتشار قد يكون لفحولة الشخص أكثر مما يكون دليلاً على الطواعية. (انظر: شرح الزرقاني (8/80) وأسنى المطالب (4/127) والمهذب (2/284) .
ولعل الأقرب من هذين القولين أن من أكره على الزنا يدرأ عنه الحد إعمالاً لقاعدة درء الحد بالشبهة. (انظر: الاغتصاب أحكام وآثار هاني الجبير).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *