معلوم لدى كل مسلم أن الصلاة هي ثاني أركان الإسلام، وأن كل مسلم ملزم بأداة الصلوات الخمس في كل يوم وليلة، وأن المساجد إنما بنيت لإعمارها بالصلاة والذكر والدعاء، إلا أن فئة من الناس ممن أشربوا في قلوبهم حب الشهوات واكتنفت أفئدتهم شبهات الفلسفات الغربية المادية، والنظريات الإلحادية، جعلوا ممارسة الشعائر التعبدية سلوكا فرديا لا حق لأحد أن يفرضه على غيره.
واستنادا إلى قواعد مادية من قبيل: “الكون والحياة والإنسان كلها مستقلة بذاتها ليست في حاجة إلى إله” قرر دعاة العلمانية والليبرالية مثلا أن للإنسان الحرية المطلقة في اعتقاداته وتصرفاته وأعماله وسلوكياته، لذا فالإلزام بشعيرة من الشعائر التعبدية كالصلاة يمثل بالنسبة لهم أداة كبت وقمع وحجر على الحرية الفردية.
وقد أفصح عن ذلك صراحة عبد الله العروي بقوله “الليبرالية تعتبر الحرية المبدأ والمنتهى، الباعث والهدف، الأصل والنتيجة في حياة الإنسان، وهي المنظومة الفكرية الوحيدة التي لا تطمع في شيء سوى وصف النشاط البشري الحر وشرح أوجهه والتعليق عليه” (مفهوم الحرية، عبد الله العروي).
وقد سمعنا بعض الفاعلين في الحقل السياسي إبان أحداث 16 ماي الأليمة، يصرح بكل جرأة في إحدى القنوات الوطنية أن الصلاة أمر شخصي لا حق لأحد أن يلزم به غيره، وقرأنا مقالا لبعض الكتاب ذوي التوجه العلماني صرح فيه عقب ضجة حركة “مالي” بقوله: “وإلا ما حكم تارك الصلاة في نظر هذه الصحافة الغيورة على عقيدة الأمة؟! هل ستشن حملة إعلامية تدعو فيها المسؤولين الأمنيين إلى إنشاء شرطة متخصصة في اعتقال كل مغربي لم يترك عمله أو ضبط وهو يسير بالشارع العام بعد دخول وقت الصلاة؟!”..
إن مفهوم الحرية التي يطبل لها القوم ويزمرون، ويسوقون لها عبر مختلف القنوات الإعلامية والثقافية هي من وضع فلاسفة الغرب عقب ما أسموه ثورة على الدين، وفيها إسقاط صريح لحقوق الله تعالى، ولدين الإسلام رأسا، وهو ما تناوله المؤرخ أحمد الناصري في كتابه الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى بالنقد عند قوله (3/113-115): “..واعلم أن هذه الحرية التي أحدثها الفرنج في هذه السنين هي من وضع الزنادقة قطعا لأنها تستلزم إسقاط حقوق الله وحقوق الوالدين وحقوق الإنسانية رأسا.. وضابط الحرية عندهم لا يوجب مراعاة هذه الأمور بل يبيح للإنسان أن يتعاطى ما ينفر عنه الطبع، وتأباه الغريزة الإنسانية من التظاهر بالفحش والزنى وغير ذلك إن شاء، لأنه مالك أمر نفسه فلا يلزم أن يتقيد بقيد” اهـ.
وهم بذلك يعملون جاهدين على استباق الأحداث، والحيلولة دون إقامة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تحول دون تفريط المسلمين في شعائر دينهم، وما أن يُرفع صوت ينادي بضرورة إلزام الناس بأداء فريضة الصلاة، واستصدار قانون يعاقب تاركها، على غرار القانون المجرم للمجاهر بإفطار رمضان، حتى تنهال عليه الجمعيات الحقوقية والصحافة العلمانية متهمة إياه بمحاولة إحياء الدولة الدينية ومحاربة الدولة المدنية والمشروع الحداثي.
فعلى الوزارة الوصية أن تضطلع بمسؤولياتها وتبين للناس أمر دينهم، وحكم تارك الصلاة عنادا وتكاسلا في المذهب المالكي، ومواقف علماء المملكة من الذين يتبنون النظرة العلمانية للشعائر التعبدية من قبيل كلام العلامة عبد الله كنون الأمين العام السابق لرابطة علماء المغرب حين قال: “..يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم”، والتفسير الواقعي لهذا الحديث الذي ليست فيه شائبة ميتافيزيقية، هو أن الأمة مدعوة إلى القيام بهذا الواجب لضمان سلامتها من عوامل الانحلال وأسباب الاضمحلال، فإن ضيعته فإن الأمراض الاجتماعية ستستشري فيها بسيطرة الأشرار عليها وتوجيهها إلى المصير المظلم الذي تتردى فيه، فلا تقوم لها قائمة، ولا تنفعها بعدُ دعوة ولا دعاء، وهذا أمر مشاهد -مع الأسف- لا يمتري فيه أحد، وهو معقول المعنى، إذ أن السكوت عن المناكير بله تشجيعها بحجة احترام الحرية الشخصية، قد أدى شيئا فشيئا إلى انتشارها بكيفية فظيعة حتى طفت على السنن المعروفة، وقامت لها دولة وسلطان، فلا يقدر أحد الآن أن يغيرها، والذي يدعو إلى ذلك يصير هزؤا وسخرية بين الناس” مجلة دعوة الحق.
فإذا كان هذا موقف علماء المغرب وسادته من إقامة شعائر الدين وأجلها بعد التوحيد الصلاة، فما بالنا نرى هذا التقاعس من طرف الرابطة المحمدية للعلماء التي لم نسمع يوما أنها نظمت ندوات أو أياما دراسية أو قامت بحملات في المدارس والثانويات والجامعات والسجون لتحث المواطنين على إقامة الصلاة؟
نترك الجواب للأستاذ العبادي الذي يبدو أنه مشغول هذه الأيام بالأمراض التعفنية الناتجة عن ممارسة الزنا أكثر من انشغاله بمحاربة الزنا وترك الشباب للصلاة.