لا نعرف من عالم الملاهي الليلية إلا ما يحكى عنها، أما عالم المقاهي فهو جزء من حياتنا اليومية، أي جزء مما نلاحظه أو نتداول عليه بين الفينة والأخرى. وإذا كانت الملاهي الليلية منحسرة الانتشار، فإن المقاهي منتشرة في كل مكان، إذ بين المقهى والمقهى قد تجد مقهى، بل تجد في الحي الواحد عددا من المقاهي.
وليست المقاهي مخصصة لاحتساء القهوة أو الشاي فحسب، بل هي فضاء من لا شغل له يقصدها لإضاعة الوقت في الكلام وتدخين السجائر، أو لعب الورق أو “الشطرنج الشعبي” (الضّاما). نفس الجالسين كل يوم، يتداولون على نفس المقاهي يوميا، لممارسة العادات نفسها.
وليست لدينا معطيات للحديث عن تحول عدد منحسر من المقاهي إلى فضاءات لالتقاء العشاق، بل للبحث عن “بائعات الهوى” في عز النهار؛ هي فقط حدوس وملاحظات لا ترقى إلى درجة الحكم بتحولها إلى ظاهرة منتشرة في عدد من المقاهي.
خصصت بعض المقاهي قاعاتها لالتقاء الطلبة وإعدادهم الفردي أو الجماعي للامتحانات، إلا أن الظاهرة ليست وحيدة في تلك المقاهي نفسها. ففي إحدى المقاهي المكونة من طابقين مثلا، يُخَصّص الطابق العلوي للطلبة، والسفلي للسجائر والحديث ولعب الورق.
حاول بعض أصحاب المقاهي تحويل صالات مقاهيهم إلى فضاءات مزدوجة الوظيفة، لاحتساء القهوة وما جاوره، وبالموازاة للمطالعة. ملأوا رفوفها بالكتب، فلم تهتم بها إلا قلة نادرة على استحياء في جو لا يقبل القراءة. بقيت الكتب في رفوفها، واستمر الزبائن في ممارسة عاداتهم المعروفة.
أما تحويل المقاهي إلى قاعات للتسلية بالغناء والفقرات المسرحية والكوميدية، فهو لا يزيد الذوق العام إلا تقهقرا، نظرا للتقهقر الفني والفكري الذي تعرفه هذه المجالات في هذا الزمن. بقيت هذه التجارب منحسرة أيضا، والموجود منها لا يحل مشاكلنا بل يفاقمها، ولا يرتقي بذوقنا بل يزيده تمييعا وبعدا عمّا نحن في حاجة إليه.
فلنفترض أن الرجال والشباب يضيعون في المقاهي ساعة يوميا، فلنحسب الآن عدد الساعات التي نضيعها يوميا فيما لا ينفع، فلنتكلم عن هذا الهدر الزمني اليومي الذي قد يصل عددا من ملايين الساعات يوميا. ولنتساءل عن هذه المفارقة، بين حجم معاناتنا وحجم إضاعتنا للزمن.