في حدود العلاقة بين الشأنين الديني والسياسي على ضوء التجربة المغربية

العلاقة التي تجمع الشأن الديني بالسياسي ليس علاقة تكامل بل هي علاقة سيطرة طرف على آخر، علاقة يفرض فيها الأقوى والمتحكم هيمنته على الضعيف المستكين، ويُقصى فيها كل من سولت له نفسه الخروج عن الخطة المرسومة..

 

 

منذ هجمات 11 شتنبر 2001 على أمريكا، وتفجيرات الدار البيضاء سنة 2003، تصدر المجال الديني أولويات الدولة، وبرزت خطة الوزير المكلف بالشأن الديني أحمد التوفيق، التي وضعت للتساوق بين الديني والسياسي، وتجلت خطواتها على أرض الحقل الديني في مؤشرات عدة كانأبرزها إصدار ظهائر وفرض ترسانة قانونيةواستراتيجياتمؤسساتية لضمان فرض السيطرةعلى الشأن الديني في المغرب، في تجربة يتعايش فيها التدبير الديني مع التدبير السياسي كما يصرح الوزير في خرجاته الإعلامية.

ومن أمثلة ذلك وزيادة في الضبط والتنظيم، صدر في ماي 2014 الظهير الملكي الخاص بتنظيم مهام القيمين الدينيين وتحديد وضعياتهم، والذي سنّ منعا رسميا للممارسة أي “نشاط سياسي أو نقابي أو اتخاذ مواقف سياسية أو نقابية أو القيام بأي عمل من شأنه وقف أو عرقلة أداء الشعائر الدينية، أو الإخلال بشروط الطمأنينة والسكينة والتسامح والإخاء، الواجبة في الأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي”.

ومن أهداف خطة التساوق عزل القيمين الدينين عن أي مؤثرات خارجة المؤسسات الرسمية، فحسب وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، فإن علاقة الديني والسياسي، تتم في إطار الاقتناع المتزايد بضرورة حياد المساجد، وضرورة تجنب إغراء القيمين الدينيين، لأن أي تيار اجتماعي بإمكانه أن يحقق لهم مكاسب معينة، وعليه سيتم تكريس النموذج المغربي، وستتحقق في ظله المكاسب العامة والخاصة للأمة المغربية، وتأمين الأمن الروحي للأمة.

كما حوَّل هذا التساوق الشأن الدينيإلى وسيلة يمتطيها الشأن السياسي لإضفاء المشروعية على أفعاله، مكرسا بذلك شكلا وحيدا من التدين، حيث نجد التعددية في كل شيء إلا في نمط التدين الذي من مميزاته الاختلاف وتعدد المذاهب والاجتهادات الفقهية وغير ذلك،مع جعله في خدمة الأمورالسياسوية وليس العكس.

فهذه السياسة الدينية كسرت النمط القديم الذي اختارته الدولة المغربية،والتي كانت تلعب على التوازنات، فلا هي ترغب في فصل مطلق بين الشأن الديني والشأن السياسي، ولا هي ترغب في تماهي الشأنين واتحادهما بشكل كلي ونهائي.

لكن الجديد الذي يحمله تساوق الوزير هو طبيعة السياسة المغربية التي يدفعون بها إلى نسق علماني قد تجعله نظريات سياسية خاصة بالشأن المغربي وطريقة الحكم فيه موقوف التنفيذ، أو شبه علماني يتغلغل على استحياء حتى يتمكن ويتغول.

ولتكريس هذه الهيمنة على الشأن الدين تم خلق مؤسسات رسمية لتأطير ومراقبة الحقل الديني، مثل مؤسسة الأعمال الاجتماعية للأئمة والمرشدين الدينيين، كما تم إصدار وثائق جديدة توضح الخطاب المسموح به داخل المساجد كقانون مؤطر ومن خالفه يكون مصيره الطرد والإقصاء المباشر.

وتأكيدا لهذا الحشر في الزاوية الضيقة، وإحكاما لمراقبة الخطاب الديني، قالالوزيرأحمد التوفيق في أحد حواراته الصحافية: “القيّم الديني والإمامليس كأي مستخدم من المستخدمين، فهو ليس فنّيا فقط، بل هو خبير لكنه ملتزم فكريا وخلقيا”…”فهو إمام المسجد، وليس المسجد مسجد الإمام، ومن يذكر المسجد يذكر الجماعة، ومن يقول الجماعة يقول الأمة، ومن يذكر الأمة يذكر إمامها الأعظم الذي هو أمير المؤمنين الذي يعتبر الإمام نائبا عنه في المسجد، وبالتالي ليس المسجد ساحة يقول فيها شخص معيّن بصفته إماما أو خطابا ما يريد”.

فالعلاقة التي تجمع الشأن الديني، بالسياسي ليس علاقة تكامل بل هي علاقة سيطرة طرف على آخر، علاقة يفرض فيها الأقوى والمتحكم هيمنته على الضعيف المستكين، ويُقصى فيها كل من سولت له نفسه الخروج عن الخطة المرسومة.

لكن وبالرغم من محاولات الدولة بسط سيطرتها على المجال الديني، لم تكن السيطرة مطلقة أبدا، إذ لم تتمكن السياسات الدينية الرسمية من منع خروج الاحتجاجات من داخل بعض المساجد، وتعالي أصوات أئمة وخطباء وقيمين دينيين، للحصول على بعض الامتيازات،حيث استثمر الأئمة والخطباء أجواء الانفتاح السياسي الذي عرفه المغرب سنة 2011، وموجة الاحتجاجات الشعبية المرافقة له ليخرجوا للشارع، لكن احتجاجاتهم قوبلت بقمع قوي من طرف السلطات، التي بررت ذلك بعدم تسييس المساجد، لكنها قامت بتعميم خطبة تدعوا المغاربة بالتصويت بنعم على الدستور المعدل، هذا التناقض يبين أن نظرية تساوق الوزير لا تسعى إلى تحييد الشأن الديني عنالشأن السياسي، بقدر ما تحاول جعله في خدمة السياسات الرسمية للدولة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *