هل الأولياء معصومون من الخطأ والزلل؟

أجمع المسلمون أن العصمة لا تكون إلا للأنبياء عليهم السلام، وأما من دونهم كأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فليسوا بمعصومين إجماعا فضلا عمن دونهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (2/226): “والأولياء وإن كان فيهم مُحدَّثون كما ثبت في الصحيحين عن أبى هريرة قال قال النبى صلى الله عليه وسلم: “لقد كان فيمن كان قبلكم من بنى إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن من أمتي منهم أحد فعمر” (البخارى 3689).

فهذا الحديث يدل على أن أول المحدثين من هذه الأمة عمر، وأبو بكر أفضل منه إذ هو الصديق فالمحدث -وإن كان يلهم ويحدث من جهة الله تعالى- فعليه أن يعرض ذلك على الكتاب والسنة، فإنه ليس بمعصوم كما قال أبو الحسن الشاذلي: قد ضُمنت لنا العصمة فيما جاء به الكتاب والسنة ولم تضمن لنا العصمة في الكشوف والإلهام.
ولهذا كان عمر بن الخطاب وقافا عند كتاب الله، وكان أبو بكر الصديق يبين له أشياء تخالف ما يقع له كما بين له يوم الحديبية، ويوم موت النبي صلى الله عليه وسلم، ويوم قتال مانعي الزكاة وغير ذلك، وكان عمر بن الخطاب يشاور الصحابة؛ فتارة يرجع إليهم وتارة يرجعون إليه، وربما قال القول: فترد عليه امرأة من المسلمين قوله وتبين له الحق فيرجع إليها ويدع قوله..
فإذا كان هذا إمام المحدثين فكل ذي قلب يحدثه قلبه عن ربه إلى يوم القيامة هو دون عمر، فليس فيهم معصوم بل الخطأ يجوز عليهم كلهم، وإن كان طائفة تدعي أن الولي محفوظ، وهو نظير ما يثبت للأنبياء من العصمة، والحكيم الترمذي قد أشار إلى هذا – فهذا باطل مخالف للسنة والإجماع.
ولهذا اتفق المسلمون على أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم (انظر الأحكام للآمدي 1/10 والأحكام لابن حزم 6/857 وإعلام الموقعين عن رب العالمين 4/52 والموافقات 5/134 وغيرها)، إن كانوا متفاضلين في الهدى والنور والإصابة، ولهذا كان الصديق أفضل من المحدث لأن الصديق يأخذ من مشكاة النبوة فلا يأخذ إلا شيئا معصوما محفوظا، وأما المحدث فيقع له صواب وخطأ، والكتاب والسنة تميز صوابه من خطئه؛ وبهذا صار جميع الأولياء مفتقرين إلى الكتاب والسنة لا بد لهم أن يزنوا جميع أمورهم بآثار الرسول صلى الله عليه وسلم، فما وافق آثار الرسول فهو الحق وما خالف ذلك فهو باطل، وإن كانوا مجتهدين فيه، والله تعالى يثيبهم على اجتهادهم ويغفر لهم خطأهم. ومعلوم أن السابقين الأولين أعظم اهتداء واتباعا للآثار النبوية فهم أعظم إيمانا وتقوى.
فـ”ليس من شرط ولي الله أن يكون معصومًا لا يغلط ولا يخطئ بل يجوز أن يخفى عليه بعض علم الشريعة، ويجوز أن يشتبه عليه بعض أمور الدين حتى يظن بعض الأمور مما أمر الله به ومما نهى عنه وليس كذلك، ولم يخرج بذلك عن ولاية الله تعالى: فإن الله تعالى تجاوز لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه.
والواجب على الناس اتباع ما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم وتقوى الله حق تقاته، بأن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر؛ كما فسر التقوى بذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، والحقيقة حقيقة الدين دين رب العالمين هي ما اتفق عليها الأنبياء والمرسلون وإن كان لكل منهم شرعة ومنهاجًا، فالشرعة هي الشريعة، والمنهاج هو الطريق، والغاية المقصودة هي حقيقة الدين وهي عبادة الله وحده لا شريك له وهي حقيقة دين الإسلام وهي أن يستسلم العبد لله رب العالمين ولا يستسلم لغيره..” (الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *