العالم أجمع يتابع مخاض مصر والتغيرات الكبرى التي يعرفها بلد الكنانة، ويواكب بأدق التفاصيل مستجدات الأحداث، خاصة بعد الانقلاب العسكري على الشرعية الذي قاده عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة المصرية بتواطؤ مع رجالات مبارك وإعلام المارينز العلماني، وبعد المجازر الجماعية وعمليات الإبادة التي ارتكبها كل من الجيش والشرطة و”البلطجية” وبررها وباركها الإعلام العميل.
فرغم كل ما أصاب الشعب المصري المسلم المسالم خلال العقود الماضية، وكان قد رسم صورة مشوهة موبوءة عن الشخصية المصرية في المنطقة، عكست مدى الانحراف الذي أصابها في العمق، وكاد يحول صوب الفطرة التي ترضاها، فقد أثبت هذا الشعب إرادته من خلال العملية الانتخابية التي أوصلت التيار الإسلامي إلى سدة حكم مصر العزيزة.
ولكن ولأن الديموقراطية لا تقبل الإسلام المحض، وتقبل الإسلام الذي يرضاه الغرب ويهواه “الإسلام الكنسي” أي أن يكون الدين حصرا وقصرا يعكس علاقة العبد بربه لا غير، فقد كبر على هذا الغرب وأبنائه بالرضاعة وأذنابه من الفلول، أن تكون كلمة الله هي العليا، من أجل ذلك انسلخوا عن ديموقراطيتهم وانقلبوا على أس فلسفتها الذي هو حكم الأغلبية، باسم التوافق والتشارك، وباسم أن الشعب لم يصل إلى درجة النضج الفكري التي تعطيه أهلية الاعتبار وصواب التصرف.
فآلية الانتخاب كما صرح أحد علمانيي مغربنا ليست شيكا على بياض كيفما كان لون الأغلبية، وعليه كان لابد أن يتم الحجر على إرادة الشعب باسم تمرد الشعب، وأن يتحالف العلمانيون مع مؤسسة العسكر لينفذوا انقلابهم الدنيء ومكرهم الخبيث على مرأى ومسمع أكبر ديموقراطيات العالم الغربي، بل بمباركة وإشارة ضوئية خضراء من هذا الغرب الذي ملأ دنيانا ضجيجا وصخبا وعويلا، باسم الحرية والعدالة والإكراه على الديموقراطية، وها هو التاريخ يسجل بقلم صدقه زيف هذه النواصي الخاطئة الكاذبة.
ولأن العلمانيين اليوم في بلادنا وغيرها يباركون ما وقع في مصر، ولأن مصر المسلمة أكبر من أن يحجر واسع دورها الإسلامي علمانيٌ أو خائنٌ أو عسكريٌ، ولأن ما من قوة على الأرض يمكنها إيقاف فكرة حق ومطالب صدق حان وقتها.
وحتى لا نكون سلبيين متجردين عن واجب حمل همّ الأمة، والوقوف إلى جانب المظلوم في وجه الظالم، آثرنا فتح هذا الملف إيمانا منا بأن دولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى أن تقوم الساعة.