لماذا اخترنا الملف؟

كان رمضان ومازال موسماً من مواسم الخير يغتنمه الأتقياء للاستزادة من صالح العمل، ويلقي بظله الظليل على العصاة والغافلين، فيتوبون، ويعاهِدون ربهم على الإقلاع عمَّا هم فيه، وقد يصدقون العهد، وقد يفشلون ويقعون في مهاوي الغفلة والنسيان، فالسعيد السعيد من جعل رمضان مجدداً للعزم والطاعة، وحافزاً للتمسك بحبل الله، وفرصة يتزود فيها بزاد التقوى، والشقي الخاسر من مرَّ به رمضان كغيره من الشهور، لم يُعِرْهُ التفاتاً، ولم يتعرض لنفحات الله عز وجل فيه.
هذا الشهر تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب النار وتصفد فيه الشياطين، هو فرصة كبيرة لعودة كثير من المسلمين المسرفين على أنفسهم إلى الله توبةً وهدايةً والتزاما، وحَسْب من صامه إيماناً واحتساباً أن يغفر له ما تقدم من ذنبه، كما قال بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
لما كان فضول الطعام والشراب والكلام والمنام ومخالطة الأنام مما يزيد القلب شعثاً ويشتته في كل وادٍ، ويقطعه عن سيره إلى الله تعالى، أو يضعفه أو يعوقه ويوقفه، اقتضت رحمة الله تعالى بعباده أن شرع لهم من الصوم ما يذهب فضول الطعام والشراب، ويستفرغ من القلب أخلاط الشهوات وشرع لهم من العبادات أثناءه من اعتكاف وقيام ودعاء وتلاوة قرآن ما يذهب فضول الكلام والمنام ومخالطة الأنام. ولذا صحَّ عن سيد ولد عدنان صلى الله عليه وسلم أنه قال: “الصوم جنة وحصن حصين من النار” (صحيح الجامع: 3880) بل عده حصناً للمؤمن، وذلك لكونه كاسراً للشهوة ومضعفاً لها، قال صلى الله عليه وسلم: “خصاء أمتي الصيام” (صحيح الجامع: 3228)، وقال صلى الله عليه وسلم: “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء” مسلم، ومضيقاً على الشيطان مجاريه بتضييق مجاري الطعام والشراب قال صلى الله عليه وسلم: “إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم” مسلم، فتسكن بذلك وساوس الشيطان.
كما أن القلب في حال الصيام يتفرغ للتفكر في آيات الله تعالى وملكوته، لأن الإفراط في تناول الشهوات يستوجب الغفلة، وربما يقسي القلب ويعمي عن الحق، قال ابن رجب في لطائف المعارف: “وخلو الباطن من الطعام والشراب ينور القلب ويوجب رقته، ويزيل قسوته، ويخليه للذكر والفكر”.
لقد كان هذا الشهر المبارك غرة في جبين تاريخ أمتنا كل عام، وقد كان شهر الفتوح والانتصارات، إذ إن كثيراً من الغزوات والمعارك الإسلامية كانت فيه من مثل: غزوة بدر، وفتح مكة، وفتح الأندلس، وحطين.. ومما يؤسف له أن يتحول كثير منا في هذا الشهر إلى النقيض تماماً عما كان عليه سلفنا الصالح فيكونون في أحوال يرثى لها.
فبعض الصائمين لا يلتزم بأخلاقيات الصيام في تعامله، فتجده وهو الصائم عبوساً قمطريراً، وإن تحدث لا يعف لسانه عن الوقوع في الغيبة والنميمة وخلافها.
إن أحوال كثير من الصائمين يؤسف لها إذ فيها محاذير شرعية قد تصل إلى إحباط العمل، وينطبق عليها ما جاء في الحديث “رُبّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، ورُبّ قائم ليس له من قيامه إلا التعب والسهر”، وهذا يقتضي من كل مسلم مخلص مراجعة أعماله وألفاظه وأقواله في بداية هذا الشهر الكريم، وينظر لهذا الموسم على أنه فرصة كبرى ومجال مهم لتلافي الكثير من الأخطاء والزلات، لعل الله أن يتداركه برحمته، وأن يختم له بالحسنى.
إن قضاء هذا الشهر كما ينبغي وفقاً لسنة البشير النذير شرف عظيم لا يحظى به ولا يوفق له إلا الربانيون المقتدون بسنة خاتم الأنبياء والمرسلين، ولعل القارئ الكريم أن يقف متأملاً مع هذه المعالم المهمة، والذكرى تنفع المؤمنين، ومنها:
– استشعار أن الصيام عبادة لا عادة وأن ثمرته المفترضة هي التقوى، إذ أن الحكمة منه كما أشار إليها جل وعلا “.. لَعلَّكُم تَتَّقُون” هي التقوى.
– زيادة الارتباط بكتاب الله حفظاً وقراءة وتدبراً، والاطلاع على ما تيسر من تفاسيره الموثوقة، ومن أجَلّها تيسير الكريم الرحمن للعلامة السعدي، وتفسير العلامة ابن كثير، ومن أهم مختصراته (عمدة التفسير) للشيخ أحمد شاكر.
– أن يكون الصيام كما كان عليه حال سلفنا الصالح تنافساً في الطاعات وتزوداً من النوافل والقربات، ومن أهمها أداء الفرائض مع جماعة المسلمين، والحرص على أداء صلوات التراويح والقيام، وبذل الصدقات للمحتاجين، وتجنب كل ما يطعن ويفسد الصيام من الأقوال والأفعال.
– التفاعل مع واقع إخواننا المسلمين المستضعفين في أرجاء العالم الإسلامي بالبذل والمساعدة والدعاء.
إن الصيام عبادة خالصة بين العبد وربه، ولذا فإنه يربي في المسلم الخوف من الله تعالى ومراقبته والتطلع لثوابه، إذ بإمكانه أن يُظهر الصيام أمام الخلق وهو غير صائم أصلاً، سواء أكان عن طريق تناول شيء من المفطرات، أو بمجرد فقدان النية، وإن أمسك عنها طوال النهار، وفي ذلك من ظهور صدق الإيمان وكمال العبودية وقوة المحبة لله تعالى ورجاء ما عنده، ما جعل جزاء الصيام عند الله تعالى أعظم من جزاء جل العبادات، “إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به”، قال ابن القيم: “والعباد قد يطلعون منه على ترك المفطرات الظاهرة، وأما كونه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده فهو أمر لا يطلع عليه بشر ، وذلك حقيقة الصوم” زاد المعاد.
ولتسليط الضوء على بعض هذه المسائل وغيرها، ارتأت جريدة السبيل فتح ملف في الموضوع.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *