ضحايا التوفيق في مشروع هيكلة الحقل الديني الخطباء.. ترويض وتطويع أو عزل وإقصاء

 

اتسمت خطة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية خلال العقدين الأخيرين بعدم التسامح مع المخالفين، خاصة القيمين الدينيين، فكل من خالف خطة «التوفيق» لا فرصة له في البقاء في المجال الدعوي والديني، لأن العالم أو الفقيه أو الواعظ في مشروع الوزارة الوصية على الشأن الديني لا يحق له إطلاقا أن يقوم بنقد الواقع وتحليله؛ أو أن ينزِّل النصوص الشرعية على المستجدات العصرية والكوارث الطبيعية؛ أو أن يتعرَّض إلى ما يعيشه الناس من تناقض صارخ بين ما تنصُّ عليه الشريعة الإسلامية من عقائد وأحكام وأخلاق وسلوك؛ وبين ما هو موجود على أرض الواقع؛ بل يجب على السادة العلماء؛ والخطباء تبع لهم؛ أن ينأوا بخطابهم عن “الشعبوية”، وفق وقل أحمد التوفيق.

وفي هذا السياق تمت الإطاحة بنخبة من الخطباء البارزين؛ نذكر منهم:

د.محمد أبياض الأستاذ الجامعي وخطيب مسجد يوسف بن تاشفين بفاس والذي قال في خطبته: “إذا بقي أهل الحق ساكتين متنازعين مختلفين متخاذلين، فسيأتي يوم يضطر خطباء الجمعة والأعياد إلى أخذ الإذن والرخصة من موازين ومن الموسيقى الروحية.. وسيأتي وقت لن نستطيع صعود المنبر حتى يعطونا هم الإذن، ومن معامل الخمور، ومن الأبناك الربوية، ومن الجمعيات الإلحادية، ومن المكتب السياسي اليهودي، ومن القنصليات ومن السفارات الأمريكية وغيرها…”، ليتم توقيفه بعد 27 سنة من الخطابة بالمسجد المذكور.

كما تم توقيف عبد المنعم الخامسي، خطيب جمعة مسجد النهضة بمدينة يوسف بن تاشفين، بسبب حديثه عن مهرجان موازين، تلميحا لا تصريحا.

ومن موقوفين الشيخ يحيى المدغري، خطيب مسجد حمزة بن عبد المطلب بمدينة سلا، الذي حذر من ارتكاب المعاصي،والتي قد تجلب على القوم المصائب والكوارث الطبيعية، تزامنا مع الهزات الأرضية التي عاشتها مناطق بالريف وشمال المغرب، حيث أشار خطيب سلا الشهير بأن “الذنوب سبب في استجلاب عقاب الله والكوارث الطبيعية”، واستشهد في كلامه على “انتشار تجارة المخدرات” بالريف.

ومنهم محمد المرابطخطيب مسجد التوبة بمدينة تازة الذي دعا الحكومة إلى”أن تتقي الله عز وجل في هذا الشعب، الذيأرهقته بالزيادات التي أوهنت كاهله كالزيادة في النقل والدقيق والسكر والشاي والماء والكهرباء وغير ذلك”.

وكذا عبد الله المودن خطيب مسجد مولينا بالعاصمة الرباط والذي تم عزله بطلب من وزير الثقافة “الصبيحي” الذي أورد الخطيب في حضرته حديث “جهاد صفية رضي الله عنها ضد اليهود”.

ومنهم فؤاد الدكاكي، خطيب مسجد أبي بكر ببوعنان في تطوان، وأستاذ مادة التربية الإسلامية بالتعليم الثانوي التأهيلي، والذي تم عزله حسب تعليل الوزارة بسبب”الامتناع عن إلقاء الخطبة الموحدة”.

وعبد الله النهاري خطيب مسجد الكوثر بوجدة، والواعظ بمسجدي القدس والتوابين بالمدينة ذاتها بعد كلامه عن موازين وموقف الوزيرة الصقلي من الأذان، والرقص الشرقي الذي كانت ستحتضنه مدينة مراكش بمشاركة مدرب صهيوني متحول جنسيا.

وكذا نور الدين قراط الذي تكلم عن عري “جنيفر لوبيز” وما يبث فيدوزيم من مشاهد مخلة بالحياء العام، وإدريس العلمي خطيب مسجد عبد الله الفخار بمدينة تطوان، الذي عزل لسبب مجهول، ولحسن ياسين خطيب وإمام مسجد دوار “واكليم” بتنغير، ومحمد الخمليشي خطيب مسجد الإمام علي بفاسبعد  تخصيصه لخطبتي جمعة متتاليتين للحديث عن كل من مرجان موازين بالرباط، ومهرجان الموسيقى الروحية بفاس، ومحمد شركي خطيب مسجد ابن حزم بوجدة بعد كلامه عن “صفقة القرن”،ورضوان بنشقرون رئيس المجلس العلمي المحلي لعين الشق، وخطيب مسجد الحسن الثاني وما تعرض له من الصحافة العلمانية بعد الخطبة التي انتقدت العري في الشواطئ، وقد تم عزله هو الآخر عقب بيان أصدره بعد استضافة مهرجان موازين للمغني الشاذ جنسيا “إلتونجون”.

كما تم عزل الأستاذ “زهير أبو العلاء” خطيب مسجد الهدى بحي “سعيد حجي” بمدينة سلا، الذي انتقد”علماء السوء” الذين “يلهثون” وراء المناصب، ومن قبلها تكلم عن حكم الاحتفال برأس السنة الميلادية.

وآخر الخطباء المعزولين، الدكتور رشيد بنكيران، خطيب مسجد حذيفة بن اليمان بمدينة القنيطرة، وعللت الوزارة قرارها بأن الخطيب يتطرق، على حسابه بالفيسبوك، لمواضيع ذات طابع السياسي!

وغير هؤلاء كثير من الخطباء الذين لم يتم ذكرهم؛ والوزارة إذ تنتهج سياسة الإقصاء بحق هؤلاء الخطباء، دون اعتبار لحقوق الإنسان، ولا ماضيهم والسنوات الطويلة التي قضوها في الدعوة إلى الله فوق المنبر، فإنها تبعث برسالة واضحة، مفادها أنها مصرة على تنزيل رؤيتها لهيكلة الحقل الديني، غير عابئة بالمنتقدين لمشروعها ولا الضحايا التي تخلفهم وراءها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *