من عادى الأسرة فهو معاد للنوع الإنساني في ماضيه ومستقبله

الأسرة هي الأمة الصغيرة، ومنها تعلم النوع الإنساني أفضل أخلاقه الاجتماعية، وهي في الوقت نفسه أجمل أخلاقه وأنفعها.
فمن الأسرة تعلم النوع الإنساني الرحمة والكرم.. فلولا الأسرة لم تحفظ صناعة نافعة توارثها الأبناء عن الآباء، ثم توارثها أبناء الأمة جمعاء. فالأسرة هي التي تمسك اليوم ما بناه النوع الإنساني في ماضيه، وهي التي تؤول به غداً إلى أعقابه وذراريه حقبة بعد حقبة وجيلاً بعد جيل.
فمن عادى الأسرة فهو عدو للنوع الإنساني في ماضيه ومستقبله، ولا يعادي الأسرة أحد إلا تبينت عداوته للنوع الإنساني، من نظرته إلى تاريخ الأجيال الماضية، كأنه ينظر إلى عدو يضمر له البغضاء، ويهدم كل ما أقامه من بناء). حقائق الإسلام وأباطيل خصومه/عباس العقاد.
– لماذا اهتم الإسلام بالأسرة؟
لقد اهتم الإسلام بالأسرة اهتماماً بالغاً، شمل جميع مراحل بنائها؛ ذلك لأن الأسرة نواة المجتمع، والمجتمع -بعد ذلك- مجموع هذه الأسر، وهي لبناته التي يقوم عليها، وينمو بها، ويحصل له منها الامتداد الأفقي حتى يصبح شعباً، والرأسي حتى يظل تاريخاً لمن بعده.
ولقد اهتم الإسلام بالأسرة اهتماماً بالغاً، وذلك للأسباب التالية:
أولاً: لأن الأسرة تلبي مطالب الفطرة البشرية بالآتي
أ – إيجاد الولد الذي يحمل اسم أبيه من بعده، ويكون عوناً له في شيخوخته، وهذا الأمر لا يتحقق إلا عن طريق تكوين الأسرة المشروعة. قال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} النحل:72.
كما أن نعمة الولد تعتبر من النعم الكبرى التي أنعم الله بها على خلقه، بل على أفضل خلقه وهم الرسل. قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} الرعد:38.
ب – أن الأسرة هي البيئة الأولى لتدريب الإنسان على المسؤولية التي كلفه الله بها، وهي عمارة الأرض، وهي الميدان العملي الأول الذي يمارس من خلالها مسؤولية قوامته عليها، لينتقل -بعد ذلك– من نطاق الأسرة الضيق إلى نطاق المجتمع الكبير. (الدين والبناء العائلي/ محمد نبيل السمالوطي ص196).
ج – أن سنة التزاوج تحقق سنة الله تعالى في خلقه وهي (نظام الزوجية)، كما قال تعالى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} الذاريات:49.
والزوجية تشمل جميع المخلوقات، إذ قسم الله تعالى مخلوقاته إلى قسمين، وأودع في كل قسم سراً خاصاً به، وجعل الثمرة نتيجة لالتقاء السرين معاً.
د – إشباع مطالب الجسد والروح في الإنسان، وهذه الإشباعات تتم عن طريق الأسرة الشرعية.
وإشباع مطالب الجسد إنما يكون بالزواج الشرعي الذي يهذب النفوس ويسمو بالأخلاق، ويقي من الانحراف، ويحمي المجتمع من الأمراض الاجتماعية، والنفسية، والصحية.
وقد وقف الإسلام موقفاً يتسم بالوسطية والاعتدال من خطري الإباحية الجنسية، والحرمان والكبت، فالزواج الشرعي يلبي الإنسان من خلاله مطالب جسده، بعيداً عن الحيوانية، وبعيداً عن إلحاق الأذى بالآخرين. وإشباع مطالب الروح والنفس يتحقق بالسكن والمحبة والرحمة والمودة بين الزوجين، وهذه ثمرة طبيعية للزواج الشرعي. قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} الروم:21.
وهذا الأمن، وهذه الراحة والطمأنينة، لا تقتصر على الزوجين فقط، وإنما تشمل أيضاً الأبناء، باعتبارهم ثمرة هذا الزواج.
ثانياً: لأن للأسرة مهام اجتماعية
من مثل:
أ – حفظ النسب من الاختلاط، {عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الْأَهْلِ مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ مَنْسَأَةٌ فِي الْأَثَر } رواه الترمذي، وصححه الألباني.
فمعرفة الأنساب -في الإسلام- ضرورية لمعرفة الأقارب وصلة الأرحام، وكذلك حماية الإنسان من العار الذي يلحق به بجهل نسبه.
ب – حماية المجتمع من الأمراض الاجتماعية والانحلال، ففي ظل الأسرة يتم تنظيم شهوة الإنسان، وتتولد عنده القناعة بما قسم الله له، فلا يمتد نظره إلى المحرمات، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم الشباب المستطيع على الزواج، فقد ثبت عن عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: {كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا لاَ نَجِدُ شَيْئًا فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ} رواه البخاري ومسلم.
ج – حماية المجتمع من الأمراض الجنسية المصاحبة للزنى.
د – إعداد الفرد ليكون إنساناً صالحاً في نفسه، وأسرته، ومجتمعه. فرب الأسرة مسؤول عن إعالة أهله وإصلاحهم، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} التحريم: 5-6.
هـ – إعداد الفرد لواجب التكافل الاجتماعي، فقد حرص الإسلام على التواد والتعاطف والتراحم بين جميع أفراد المجتمع، على اختلاف درجاتهم وتفاوتهم من حيث المال والجاه والعلم والمنصب، وطلب منهم أن يكونوا كالجسد الواحد. كما جاء في الحديث (عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمُؤْمِنُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إِنْ اشْتَكَى رَأْسُهُ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ} رواه مسلم.
والأسرة هي البيئة الأولى التي تعد الفرد لتحقيق التكافل الاجتماعي، إذ يقف كل من الزوجين إلى جانب الآخر في السراء والضراء، والغنى والفقر، وتتوسع الدائرة بمبادرة القريب الغني بالنفقة على قريبه الفقير أو العاجز، ويتكفل الأبناء بالآباء حال الكبر والعجز.
كما أن للأسرة دور كبير في التربية على الأخلاق الفاضلة للفرد والمجتمع، فهي المكان الصحي الوحيد للحضانة، والتربية السليمة في المراحل الأولى للطفولة، فلا تستطيع أي مؤسسة عامة أن تسد مسد المنزل في هذه الشؤون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *