إبطال أحكام الميراث من التحسيس إلى التشريع
في خطوة جريئة وخطيرة جدا؛ أقدمت فوزية عسولي رئيسة الرابطة (الديمقراطية) لحقوق المرأة، على المطالبة بتعديل قانون الإرث بما يجعله يحقق مبدأ المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة.
وقد جهرت عسولي بهذا المطلب في ندوة صحافية نظمتها يوم الخميس الماضي: (9 أكتوبر) بمناسبة اليوم الوطني للمرأة.
وسوغت مطلبها بمراعاة ما يعرفه تطور الواقع في هذا المجال؛ والذي يتمثل في كون عدد كبير من الأسر يتجه نحو توزيع ثروة العائلة بين الأبناء والبنات قبل الوفاة على قاعدة المساواة، كما يلجأ البعض إلى إنجاز بيوعات صورية لتحقيق الهدف ذاته.
وزعمت في هذا السياق أن هناك إلحاحا من بعض المواطنين على ضرورة تعديل قانون الإرث؛ أي: تعديل ما شرعه الله جل وعلا في كتابه الكريم!!!
طلائع جيوش العولمة
وغير خاف على القراء الكرام أن هذا المطلب يؤكد أن الرابطة تتبنى مبدأ المساواة المطلقة في الحقوق بين الجنسين كما هو منصوص عليه في المواثيق الدولية، وأنها تعتبر تفاوت الأنصبة بين الذكور والإناث في الإرث من التمييز ضد المرأة تماما كما تعتبره المؤتمرات الدولية:
جاء في (تقرير المؤتمر العالمي لعقد الأمم المتحدة للمرأة: المساواة والتنمية والسلم/كوبنهاجن)، (1400هـ -1980م):
“ينبغي دراسة كل ما تبقى من أحكام تشريعية تمييزية في المجالات الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، وفي قانون العقوبات، والقانون المدني؛ بغية إبطال جميع القوانين والأنظمة التي تميز ضد المرأة، فيما يتصل بالحقوق المتعلقة بالجنسية، والإرث، وحيازة الأملاك والتحكم فيها..” إلخ.
وهذا يبين للقارئ المغربي الدور الذي تلعبه هذه المنظمات في الدعوة إلى القناعات الغربية المخالفة لديننا وهويتنا في قضية المرأة.
فلا جرم أنها تلقى دعما كاملا من منظمات غربية كان لها الدور القوي في الإيجاد قبل الإمداد.
ومن هنا يظهر للبيب أننا أمام اكتساح خطير للعولمة الاجتماعية الغربية، لا يحفظ لنا خصوصية ولا يراعي فينا حرية ولا “ديمقراطية”، وإنما هو الغزو السافر، وحب السيطرة والهيمنة التي يلبسها الخائنون لأمتهم لبوس الإصلاح ورفع الظلم عن المرأة.
لا حرية لنا في اختيار شرع ربنا، وإنما لنا الحرية إذا اخترنا إباحة وإشاعة الشذوذ الجنسي وغيره من أنواع الانحراف السلوكي والفكري.
توثيق تاريخ المطلب
ومما يتعين توضيحه هنا؛ أن هذا المطلب المناقض للشرع والقانون؛ كان من مطالب الحركة النسوية اليسارية في المغرب منذ أمد بعيد؛ حيث نادت به جمعية اتحاد العمل النسائي في ندوة صحافية نظمتها الجمعية المذكورة بتاريخ 7 مارس 1992، وذلك في إطار ما أسمته: الحملة الوطنية لتغيير مدونة الأحوال الشخصية.
ولقد لقي ذلك النداء الجريء واللامسؤول إنكارا شديدا من طرف العلماء وبعض الجمعيات الثقافية والحقوقية، الشيء الذي حمل الجمعية المذكورة على التراجع عن مطلبها والاعتذار عنه.
المطلب والتعليل العليل
وكانت قد جعلت مطلبها ذلك نتيجة فاسدة لمقدمة أفسد منها؛ وهي قولهم: (الدور الذي أصبحت تلعبه المرأة داخل الأسرة والمجتمع لم يعد يسمح باستمرار هذا التمييز، وأصبح يدعو لإقرار المساواة بين الجنسين في الإرث)، يقصدون أن المرأة الآن تعمل كما يعمل الرجل، وتنفق كما ينفق الرجل، فينبغي أن ترث كما يرث الرجل.
وقد قلنا في غير هذه المناسبة أنه لا يشرع الإقدام باسم -الاجتهاد أو غيره- على تغيير حكم شرعي قطعي الثبوت والدلالة بزعم تغير الواقع، بل الواجب تغيير الواقع إلى ما ينسجم مع الأحكام الشرعية والآداب المرعية؛ فكون الزنا مثلا من الممارسات التي شاعت وتفشت، لا يبيح لنا القول بإباحته وتجاوز النصوص التي حرمته وجعلته من الكبائر.
وما تسعى إليه المنظمات النسائية العلمانية من تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في العمل خارج البيت –وهو أصل الدعوة إلى المساواة في الإرث- يعد شرعا ومنطقا ظاهرة مرضية تعود بالمفاسد والأضرار الجلية على الأسرة المغربية.
وهذه الظاهرة المرضية ينبغي أن تعالج بدل أن تجعل ذريعة إلى مطلب يطعن في نحر نصوص القرآن والسنة، ويعارض الشريعة الربانية في أحكامها العادلة.
وقد علم أن فكرة المساواة بين الذكر والأنثى في حق العمل نبعت من المجتمع الغربي المتفكك الذي ظلم المرأة وحرمها من حق متعها الله به في شريعته؛ وهو حق النفقة، فكان من الطبيعي أن تقوم النساء بالمطالبة بتسويتهن بالرجال في العمل والكدح لأنه الوسيلة الوحيدة لتحقيق حاجاتهن المادية.
فلا يصح أن نستنسخ هذا الواقع في مجتمعنا والحال أننا نملك شريعة أغنت المرأة عن الابتذال في سوق العمل الصاخب الذي يستغلها استغلالا بشعا ماديا وجسديا، ويعيقها عن مراعاة أولويات العمل الإصلاحي، وأداء رسالتها التنموية النبيلة.
تلك الرسالة التي وضحتها المذيعة والكاتبة الألمانية: (إيفا هيرمان) في كتابها الأخير: {مبدأ حواء}؛ والذي هاجمت فيه الحركة النسوية المعاصرة، وعدّت مبادئها -وعلى رأسها المساواة المطلقة- أكذوبة كبيرة سلبت النساء أنوثتهن.
كما دعت فيه النساءَ إلى الفخر بمهمتهن كأمهات وربات منازل، وأشارت إلى بطلان ما يسمى: (حق المساواة في العمل).
.. فإذا أرجعنا الأمور إلى وضعها السليم، ولم نعتبر العمل حقا تتعين فيه المساواة بين الجنسين، تهاوت شبهة المنادين بالمساواة في الإرث.
تلك حدود الله فلا تعتدوها
ولعل من نافلة القول أن أبين أن شرع الله لا يبدل، ولا تلتمس له التأويلات التعسفية نزولا عند أهواء الشاردين؛ فإذا وجد من يراسل هذه الرابطة مطالبا بتغيير شرع الله، فلا يلتفت إليه، ولا يجعل طلبه ذريعة تتذرع بها الرابطة لتعدي حدود الله.
قال العلماء: “لا يجوز تغيير المواريث عن وضعها الشرعي؛ لقول الله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} النساء.
والإشارة بقوله {تِلْكَ} إلى الأحكام المتقدمة (يعني: المواريث) وسماها حدودا لكونها لا تجوز مجاوزتها ولا يحل تعديها.
قال في المحرر الوجيز (2/86):
“ورجَّى الله تعالى على التزام هذه الحدود في قسمة الميراث، وتوعد على العصيان فيها بحسب إنكار العرب لهذه القسمة”.
أما بعد؛ فإن ما أقدمت عليه الرابطة (الديمقراطية) يجعلنا نطرح أكثر من تساؤل:
ما وزن الشريعة الإسلامية في قلوب هؤلاء الناس؟
ولماذا هذه النصرة المطلقة للرؤية الغربية في قضية المرأة؟ والتي تفرض علينا عبر المؤتمرات الدولية.
لماذا لا نتطلب حلول مشاكلنا في ضوء شريعتنا؟
ولماذا تسلك هذه الجمعيات مسلك المداهنة ثم المعارضة للإرادة المغربية في تطبيق الشريعة الإسلامية، بدل الاستجابة لها باعتبارها إرادة شعبية ملحة؟..
وأخيرا نتساءل: هل ستعامل الأستاذة عسولي كما تم التعامل مع الدكتور المغراوي رئيس جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة؟ وهل سيصدر في حقها بلاغ من المجلس العلمي الأعلى، وقرار بإغلاق مقر منظمتها وفروعها من طرف وزارة الداخلية؟
وهل سيغار المحامي بكوري على شرع ربه فيحرك دعوة قضائية ضد صاحبة هذا المطلب؟..
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا *** ويأتيك بالأخبار من لم تزود