عودة الحجاب معركة السفور والحجاب من جديد في تركيا العلمانيون جند السفور والعري، والمسلمون جند الحجاب والعفة

تعيش تركيا أزمة سياسية أو بالأحرى أزمة هوية، فهي تتراوح بين علمانية أرسى قواعدها أتاتورك، أو عودتها إلى جذورها الإسلامية، فتركيا اليوم تناضل في اتجاهين، تناضل من أجل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، الذي يضع شروطا تخدم المد العلماني وتلغي تطبيق الشريعة الإسلامية، وتناضل وبقوة من أجل العودة إلى جذورها الإسلامية، خاصة وأن هذه العودة تحمل في طياتها مشاعر العزة والرقي والحنين إلى الخلافة الإسلامية، ويمثل مشروع القانون الجديد حلقة من حلقات ذلك الصراع المستعر سياسيًا واجتماعيًا في تركيا.

إن تركيا تعيش لحظة حرجة في تاريخها، فرغم أن مشروع القانون الجديد لا يجيز لبس الحجاب بالكامل، بل هو مجرد غطاء للرأس، ورغم أن الحظر أو المنع رُفع عن المؤسسات التعليمية فقط (فهو لم يتم بشكل كامل في انتظار قرار محكمة الدستور بسبب تصعيد بعض الأساتذة والإداريين في بعض الجامعات) بالإضافة إلى أن القانون المتنازع حوله لا يشمل باقي الإدارات والهيئات الحكومية، إلا أن رمزية هذا الموضوع، تحمل العديد من الدلالات:
الدلالة الأولى: هي إخفاق النخب العلمانية التركية في جعل مفهومها عن التقدم والحضارة المدنية هو الاتجاه المسيطر أو المقبول لدى غالبية الشعب التركي، كما يكشف أن أفكار مصطفى كمال أتاتورك بقيت شكلية ولم تؤثر في ذهنية المجتمع. إنها أفكار عهدت مهمة حمايتها إلى ثكنات الجيش وأجبر الناس على الاقتناع بها دون الاستناد على قوة الإقناع بل بقوة التهديد والتخويف.
فقد أجرت صحيفة “زمان” التركية استطلاعًا للرأي في 12 محافظة تركية أظهر ذلك الاستطلاع أن نسبة 96.5 % من إجمالي من تم استطلاع آراؤهم يؤيدون رفع الحظر المفروض على الحجاب، وأن نسبة 73.1 % من غير المحجبات يرين أن رفع الحظر هو مطلب ضروري لتحقيق المساواة في حق التعليم الجامعي.
وأشارت الصحيفة إلى أن 87 % من الرجال يؤيدون رفع الحظر على الحجاب، وأن متوسط 80 % من الشعب التركي يطالبون بالسماح للمحجبات بتلقي التعليم الجامعي (هذا هو الإرهاب العلماني والظلامية العلمانية التي تمنع المحجبات من تلقي التعليم الجامعي).
هذا يكشف أن رياح التغيير في المجتمع التركي بدأت تتحرك، وأن مركبة التغيير بدأت في المسير بعد أن ظلت واقفة منذ زمن بعيد عند المحطة الكمالية، وأن أفكار أتاتورك العلمانية لم تصبح ولن تصبح هي أفكار ومبادئ الشعب التركي.
الدلالة الثانية: أن النخب الحاكمة في تركيا آخذة في التحلل. لقد كانت قوة مصطفى كمال وشرعيته هي الانتصارات الوهمية التي حققها في حرب الاستقلال، وكانت الأفكار العلمانية الحادة هي مقابل الاستقلال، في وقت كان معظم الجوار قد خضع للاحتلال.
أما النخبة الحاكمة الآن فشريعة وجودها بدأت في التراجع لعدم ارتكازها إلى مرتكزات قوية، أو أرضية شعبية تدعمها.
فها هي النخبة الحاكمة التي كانت متمثلة في الجيش، ورئاسة الدولة، والمحكمة الدستورية، ومجلس الجامعات، بدأت تضمحل وتنهار وترضخ لتيار التغيير القوي الذي يقوده الإسلاميون في معركة الهوية في تركيا.
فهذا قائد الأركان التركي الجنرال “يشار بيوك أنيت” يشير إلى رفض الجيش عودة الحجاب الذي يرمز إلى الإسلام السياسي، إلى الجامعات، لكنه في الوقت نفسه يخشى التدخل مباشرة، الذي قد ينتج عنه عصيان مدني.
الدلالة الثالثة: وصول الصراع العلماني-الإسلامي إلى أعلى مستوياته، فتركيا تعيش صراعًا مستمرًا بين الإسلام والعلمانية يخبو تارة ويظهر للعلن تارة أخرى، وصراع التيار الإسلامي مع التيار العلماني بنخبتيه العسكرية والمدنية ليس صراعًا عاديًا، بل صراع عنيف وقوي.
واتخذ هذا الصراع أشكالاً ومستويات عدة تراوحت ما بين الجدل الفكري والنزاع السياسي وصولاً إلى القهر العسكري الذي كان يتسبب أحيانًا في إلغاء أحزاب والزج بقادتها في السجن، أو طرد الضباط من الجيش إذا ثبت أن أحدهم يواظب على الصلاة أو أن زوجته محجبة.
فتحرك الصراع الإسلامي العلماني في تركيا من دائرة الفكر إلى دائرة السياسية وصولاً إلى دائرة الدستور والقوانين يؤشر لقوة المد الإسلامي، واستطاعته فتح قنوات أخرى للصراع، هو قادر أن يحقق فيها نتائج تعبر عن قوته وأرضيته الحقيقية في الشارع التركي الطموح إلى الانتصار لهويته الإسلامية.
من مقال: “تركيا.. في عودة الحجاب دلالات”
لأحمد عمرو

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *