نحو أسرة تبني مجتمعها المعالم السبعة في طريق تربية الولد من خلال وصية لقمان لابنه -الحلقة الأخيرة- حمّاد القباج

لا نزال أيتها القارئات الفاضلات مع تلكم الوصايا النفيسة، لرجل صالح يمكن عده من مصلحي العالم وكاملي البشرية، ويكفي أن العليم الخبير ارتضى وصيته، وجعلها قرآنا يتلى إلى قيام الساعة، وموعدنا في هذا العدد مع ختامها، من خلال معالم ثلاثة؛ هي:

المعلم الخامس: التحلي بمكارم الأخلاق في المعاملات
{وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ، وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ، وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}.
فاشرحي لولدك؛ أن العبادة التي خُلقنا من أجل تحقيقها، ليست أداء صلاةٍ أو صيام أيامٍ فحسب، بل يأخذ جانبُ المعاملة من حقيقتها جزء عظيما:
فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: “إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّار”. (رواه مسلم).
وما أَفْيَد أن تحدثيه بما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
“قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار، وتفعل وتصدق، وتؤذي جيرانها بلسانها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا خير فيها، هي من أهل النار”، قال: وفلانة تصلي المكتوبة و تتصدق بأتوار (من الأقط) ولا تؤذي أحدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “هي من أهل الجنة” [السلسلة الصحيحة].
وأهم الأخلاق: الصبر: لأنه شرط لإصلاح النفس، والتواضع: لأنه شرط في نجاح تعاملك مع غيرك، لذلك كان التنصيص عليهما في هذه الوصية المباركة.
وقوله: “لا تصعر خدك”: لا تُمِلْهُ وتعبس بوجهك في وجوه الناس، تكبُّرًا عليهم.
وقوله: “مرحا”: أي: بطرا، فخرا بالنعم، ناسيا المنعم، معجبا بنفسك.
فأوصاه بالتواضع في القول والفعل.
المعلم السادس: التدين على منهاج صحيح
{وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيّ}
فلا يكفي أن تُنَشئي ولدك على التدين الشامل للتعبد والخُلُق؛ بل لا بد أن يكون هذا التدين على منهاج صحيح، وذلك إنما يكون بلزوم الاتباع واجتناب الابتداع، فالواجب على المؤمن اتباع المنيبين إلى الله؛ وأئمتهم في هذه الأمة: رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم، ثم من تبعهم بإحسان، أما الطوائف المحدثة والأحزاب المبتدعة، فلا يجوز اتباعهم في فهم الدين والعمل به.
فبيني ذلك لولدك بطريقة ترسخ هذه الحقيقة في نفسه، وقوِّي ارتباطه بالسلف الصالح، وحبِّبي إليه اتباعهم والاقتداء بهم في تدينهم وأخلاقهم.
المعلم السابع: السعي في الإصلاح
{وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَر}
وذلك أن المؤمن بعد أن يجتهد في إصلاح نفسه يسعى في إصلاح الغير، كما قال سبحانه: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}؛ فاجعلي من ولدك أداة إصلاح في المجتمع، وعنصر بناء فيه، يُصلح ولا يفسد، ويبني ولا يهدم، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة.. وما أجمل أن تقدمي له هذا المعنى في أسلوب قصصي كقصة الغلام الذي كان يتردد بين الراهب والساحر، تصوغينها بأسلوب مطول شيق؛ لتزرعي في نفسه حب التضحية في سبيل الدعوة إلى الله..
فإذا صار الولد كما وصفتُ؛ فاهنئي بنجاحك، وافرحي بوصولك، وحطي الرحل بعد طريقك التربوي الطويل، في واحة مباركة، تتفيئين ظلالها بكرة وأصيلا، وتجنين ثمارها غدوا ورواحا…وبالله التوفيق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *