المعالم السبعة في طريق تربية الولد (من خلال وصية لقمان لابنه) -الجزء الثاني- حمّاد القباج

وقفنا في الحلقة الماضية مع المعلم الأول من المعالم السبعة التي تضمنتها وصية لقمان لولده والذي تمحور حول “توحيد الخالق جل وعلا”، وسنقف في هذه الحلقة مع معلمين اثنين هما:

المعلم الثاني: محاسبة النفس ومراقبة الله في السر والعلن.
وهو مكمل للمعلم الأول:
قال سبحانه: {ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}
فازرعي أيتها الأم الفاضلة في نفس ولدك خشية الله ومراقبته سبحانه في السر والعلن؛ وأنه تعالى عالم بكل شيء، مطلع على كل أحوالنا:
{وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ، وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}(يونس 61).
وهكذا توضِّحين له أن الله رقيب على كل أعمالنا، وأنه سبحانه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من الخير والشر إلا أتى بها يوم الحساب، وسألنا عنها: {ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}. ومن نشأ على مراقبة الله، كان من المحسنين المصلحين.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: “يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُف”. (رواه الترمذي وصححه).
المعلم الثالث: الإحسان إلى الوالدين
{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ، وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}.
ثنّى بحقهما لعظمه؛ لأنهما السبب المباشر في الإيجاد، وهما صاحبا المسؤولية العظمى في التربية والإمداد.
ويتحملان في سبيل ذلك المشاق العظيمة والأتعاب الجسيمة، سيما الأم التي حملته {وهنا على وهن} أي: مشقة على مشقة، “فلا تزال تلاقي المشاق، من حين يكون نطفة؛ من الوحم والمرض والضعف والثقل وتغير الحال، ثم وجع الولادة، ذلك الوجع الشديد. ثم {فِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} وهو ملازم لحضانة أمه وكفالتها ورضاعها، أفما يحسن بمن تحمل على ولده هذه الشدائد، مع شدة الحب، أن يؤكد على ولده، ويوصي إليه بتمام الإحسان إليه؟”.
فاشرحي لولدك هذا المعنى ووضحيه، واضربي له الأمثلة من القصص النبوي ومن سير الصالحين، واحرصي على بقائه مُعظما لك ولأبيه، حافظا لحقكما؛ فتبقيا دائما راعيه الأمين وموجهه الثقة، سيما في زماننا هذا؛ زمان التفلت، والضياع بين نعيق الدعوات الهدامة ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *