تقرير خطير في الأمم المتحدة ينتهك سلامة الطفلات القاصرات (نعم للسفاح، لا للزواج)!! حمّاد القباج www.manzilat.net

تقرير خطير

كشفت (اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل) عن تقرير خطير أعدّه (خبراء) تابعون للأمم المتحدة، حول وضع الطفلة التي هي دون الثامنة عشر وحقوقها المزعومة، وذلك لمناقشته خلال الجلسة الحادية والخمسين لـ(لجنة المرأة) بالأمم المتحدة.
يحتوي التقرير على حق الطفلة دون الثامنة عشر في الحرية الجنسية بعيداً عن أي توجيهات أسرية أو مجتمعية! وحق الطفلة في الجنس خارج إطار الزواج! وكذا التوصية بمنع الزواج المبكر! وشدّد على ضرورة سن قوانين صارمة ضد من يخالف ذلك!!..
والأعجب أن التقرير أوصى بما أسماه حقوق الفتيات السحاقيات والشاذات جنسياً، وحق تحديد الهوية الجنسية للفتيات؛ بمعنى حرية اختيار الشريك من نفس الجنس أو من الجنس الآخر، وزعم أن الدين -خاصة في الدول التي يعتبر فيها أساس التشريع- يُقَيّد ويحد من فرص المساواة، ويزيد من حدة العنف، وطالب ببذل الجهود لتغيير المعتقدات والأعراف!! وأن التركيز على عذرية الفتاة وخصوبتها تمثل شكلاً من أشكال التمييز ضد الأنثى!!

آلية التنفيذ
وبديهي أن مثل هذه التقارير، ومن ثم ما يترتب عليها من توصيات، تتحول إلى قرارات موجهة أساساً إلى العالم الإسلامي، لأن الدول المسيحية مثلاً لا تلتزم بشرائع دينها في هذا الصدد، ومن ثم فالتوجه يكون نحو الحكومات في الدول الإسلامية التي تُرصد لمراقبتها جمعيات ومنظمات تم إيجادها وإمدادها من طرف الإمبريالية المهيمنة على شؤون الشعوب في إطار العولمة الاقتصادية المذلة، والشوملة الاجتماعية الماسخة.
..وهكذا تتوالى جهود (الأمم المتحدة) وسدنة دينها لعولمة الفكر والثقافة الإباحيين، متجاهلين كل القيم الأخلاقية، والأحكام الشرعية.
كما تستمر جهودهم لتضييق الخناق على الزواج الحلال، من أجل مزيد من الإضعاف لدور الأسرة في تحصين المجتمع الإسلامي، ومنع ذوبانه الكلي في بوتقة القناعات الإلحادية الإباحية، وانطماس هَوِيَّته في خضم العولمة الأمريكية..

نعم للسفاح، لا للزواج
وهذا يدلنا على المفارقة العجيبة في موقف القوم:
وذلك أنهم يتباكون على الفتيات اللواتي يتزوجن وهن في سن دون الثامنة عشر، ويعتبرون هذا من الإضرار بهن، إذ إنهن لسن مؤهلات جسديا وفكريا للزواج، ومن هنا فإنهم يدعون إلى المنع منه مطلقا!
ويُسَوّغون دعوتهم للمنع تلك؛ بالتحليلات النفسية والدراسات الاجتماعية والإحصائيات الميدانية، واستطلاعات الرأي..إلخ!
وفي مقابل ذلك؛ يدعون إلى السماح لمن دون الثامنة عشر أن تقيم ما شاءت من العلاقات الجنسية المحرمة، ولو بينها وبين فتاة مثلها!!
نكاح يَستوثق له الولي، ويأذن به القاضي، وتتعاون على إنجاحه الأسر، ويجعله الشارع الحكيم ميثاقا غليظا، يُضيَّق عليه ويحارب!
وسفاح مخرب للفكر والسلوك، مدمر للأسر والمجتمعات؛ يُعَد حقا تنبغي المطالبة به!!
وتزداد المفارقة وضوحا حين نرى موقف القوم من حمل القاصرات؛ فإنهم لا يعدونه جريمة، ويدعون إلى إيواء ومساعدة (الأمهات العازبات)، وبالأمس القريب انتشر خبر ذات الثنتي عشرة سنة التي وضعت حملها في مرحاض مدرسة ثانوية بمدينة الراشدية؛ فلم نسمع من الجمعيات الحقوقية والنسائية حسا ولا ركزا، ولم تتحرك الغيرة في قلب البكوري كما تحركت بسبب ما سمي (بزواج الصغيرة)!!
فويل للمطففين الذين يكيلون بمكيالين؛ فإذا كالوا نصرة لمبادئهم وقناعاتهم يستوفون، وإذا كالوا لمبادئ غيرهم يخسرون.

المنظور الشرعي
إن الأهلية للزواج -من المنظور الشرعي- تعتبر فيها أمور زائدة على السن؛ فرُبّ فتاة لا تتجاوز الخامسة عشر وعندها من النضج الفكري والجسدي ما يؤهلها للزواج، ورب أخرى قاربت الثلاثين ولا تصلح للزواج، وللبيئات والأحوال تأثيرها في ذلك، وهذه الأخيرة قد تشكل عرفا يراعى في الحكم بالجواز أو المنع.
فلا نمنع مطلقا فنفوت منافع الزواج المبكر، ولا نجوز مطلقا فنعرض الفتاة للضرر؛ ومن هنا جاء في الشرع إباحة تزويج الصغيرة وجاء أيضا منعه:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: “خَطَبَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَاطِمَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِنَّهَا صَغِيرَةٌ” فَخَطَبَهَا عَلِيٌّ فَزَوَّجَهَا مِنْه”. [رواه النسائي بسند جيد].
فالشارع الحكيم أناط الأمر بالقدرة واعتبار المصالح والمفاسد، ومكّن في المجتمع لما يخدم العفة والفضيلة، أما أن نغلق الباب مطلقا فهذا تحريم لما أحل الله، وتوسيع لمجال العلاقات المحرمة على حساب العلاقات الشرعية، وهو كما بينت آنفا ما تدعوا إليه مؤتمرات المرأة الدولية.

مدونة الأسرة والعرف المغربي
ومن منطلق مراعاة الحكم الشرعي، وما اشتمل عليه من مصالح؛ نصت المدونة على أن “لقاضي الأسرة المكلف بالزواج، أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية المنصوص عليه في المادة 19”.
ويعد هذا استثناء في بلدنا، لأن عرف أكثر الناس الآن لا ينتشر فيه زواج الصغيرات، وقد أوجدت هذا العرف ظروف وأحوال، منها: واقع التمدرس، وضعف البنية الجسدية، وضعف الأهلية، وانتشار البطالة وارتفاع نسبة الغلاء المعيشي..إلـخ، ومع هنا يبقى الاستثناء ضروريا مراعاة للقلة، ولاحتمال تغير الأحوال.
أما الجمعيات والمنظمات النسائية ذات التوجه العلماني فلا تحبذ هذا الاستثناء، وبعضها يسعى لحذفه من مدونة الأسرة؛ ومن هنا فإنها تمارس رقابة تطاولية على القضاة كخطوة أولى في ذلك الطريق:
قالت فوزية عسولي (رئيسة الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة): “وإذا كنا بالفعل قد سجلنا خلال عملنا كجمعية خروقات في تطبيق مدونة الأسرة وخاصة فيما يتعلق بزواج القاصرات الذي يبقى إعماله مرتبطا باجتهاد القاضي، إلا أننا نعتبر أنه ليس كل القضاة يعملون على خرق القانون..” اهـ.
إن تصريح العسولي -هذا وغيره- يحمل أكثر من دلالة؛ من أهمها: الدور الذي تلعبه هذه الجمعيات لمراقبة الحكومات، ومدى تطبيقها لتوصيات مؤتمرات واجتماعات الأمم المتحدة، بل مراقبة المؤسسة القضائية التي ينبغي أن تسلم من كل ضغط، وأن تتصف بالاستقلالية التي تعينها على العدل بين الناس.
وهنا نتساءل: من أعطى هذه الجمعيات الصلاحية لمراقبة مؤسسة القضاء؟
ألا يهدد هذا التطاول الخطير نزاهة مؤسسات الدولة التي ينبغي أن تسهر على نشر العدل والفضيلة في البلاد؟!
وكيف يمَكّن لهذه الجمعيات إلى هذه الدرجة التي تخدم التصور الغربي على حساب التصور والقناعات المبنية على الشريعة الإسلامية؟!..

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *