لماذا اخترنا الملف؟

كل الإنجازات تتطلب تضحيات، ولو كان الإنجاز يتحقق دون تضحية وصبر لكان أولى الناس بذاك الأنبياء والمرسلون عليهم صلوات رب العالمين، فلا بدَّ لأهل الحق من ابتلاء وتمحيص، وقد سئل الشافعي رحمه الله تعالى: أيبتلى الرجل أم يمكَّن؟ قال: لا يمكَّن حتى يبتلى، فظهور الحق وتمكنه موقوفٌ على ثبات الرجال وصبرهم في سبيل الله عز وجل.
وما قدمه أهل فلسطين عامة وأهل غزة خاصة من صبر وجلد على تحمل الظلم والبطش الصهيوني الغاشم يدل على رسوخ الإيمان في قلوبهم، ولنتذكر جميعا كيف تحدث عامة أهل غزة للقنوات الإعلامية وقد قتل لهم قبل دقائق أو ساعات قليلة أبناء أو آباء ومقربون، فلا تجدهم إلا صابرين محتسبين، وإن بكوا فبلا جزع ولا تسخط على قدر الله تعالى، سبابتهم مشيرة إلى السماء ولسانهم لا تفارقه (حسبنا الله ونعم الوكيل)، وإذا كان هذا حال عوام الناس فكيف بحال أهل الفضل والسبق والمرابطة في الثغور؟
فثباتهم على الحق وحبهم للشهادة والتضحية والبذل قدوة عظيمة للأمة، وإحياء لقيم طالما سعى الصهاينة ومن ورائهم العلمانيون لإخمادها، فحتى لو أصبح مصير أهل غزة كلهم كمصير أهل الأخدود أو غلام الساحر فيكفيهم نصرا أنهم أحيوا أمتهم بدمائهم، وأذكوا فيهم نار الغيرة على الدين والقيم والهوية، وبصَّروهم بحقيقة أعداء الملة والدين، وبالشعارات الزائفة التي ترفعها المؤسسات الغربية والعلمانية.
والشيخ عز الدين القسام رحمه الله تعالى عندما دعا سنة 1935م إلى مقاومة وجهاد المحتل، وخرج من حيفا إلى الجبال مع بعض المجاهدين حاصرته قوات جيش الاحتلال البريطاني فقتل رحمه الله بعد اشتباك معهم في أول معركة، لكن دمه لم يذهب هدرا، بل أحيا روح الجهاد والمقاومة في كل الفلسطينيين الشرفاء الأحرار، فتأسست كتائب القسام عام 1991م، أي بعد قتله ب 56 سنة، لتسير على نهجه وليبقى ذكره وليحصد أجر المقاومين لمّا بذل دماءه الزكية في سبيل الله.
إن اليقظة التي شهدتها أمتنا شكلت خطرا عظيما على الصهاينة ومن شايعهم، وهو ما دفعهم إلى إيقاف العدوان وإعادة قراءة الأوراق من جديد، فسلاح الصبر والمقاومة والصمود كان ولا يزال وسيبقى أقوى سلاح في الحرب، وقد أثبتت حوادث التاريخ العسكري، أن خسائر الصامدين في الأرواح أقل بكثير من خسائر الذين لا يصمدون، قال تعالى: “فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ”.
بعد الخسارة التي مني بها التحالف الصهيوني الأمريكي الأوروبي في مواجهة المقاومة الإسلامية بقطاع غزة، عزم الصهاينة وحلفاؤهم على عدم تفويت الانتصار في المعركة السياسية القادمة والمتمثلة في إعادة إعمار غزة، فحسب التقرير الذي أعدته صحيفة هآرتس حول نتائج العدوان على غزة، فإن العدوان انعكس سلبا على الكيان الصهيوني وتأثرت صورته واهتزت أمام الرأي العام العالمي، ولم يحقق جيشه الأهداف التي سطرها قبل العدوان.
ما وقع غاظ بشدة فئة من المنكودين الموتورين وفت أكبادهم، فراحت أقلامهم تقطر سماً زعافاً، وتتفنن في تجميل وجه الصهاينة القبيح، وتحويل هزيمتهم النكراء إلى نصر حاسم، وتتبارى في تشويه الحقائق، وطمس الإنجازات التي شهد بها العدو نفسه.
وبإلقاء نظرة سريعة على ما تنشره بعض الصحف العربية التي تصدر في بلادنا نجد الكثير من المقالات التي تتحدث عن مجزرة غزة وعن المقاومة بكل حقد وكراهية، يسخرون فيها ممن يصفها بالنصر، ويعددون أوجه الهزيمة ويتباكون فيها على أهل غزة الذين سقط منهم الآلاف بين شهيد وجريح، ويصبون جام غضبهم ولعناتهم على الشرفاء الأحرار من رجال المقاومة الذين أبوا الخضوع للكيان الصهيوني، والرضا بالهوان.
وكأنا بهذا الطابور الخامس وتلك الأقلام المأجورة التي أصدرت دائرة الإعلام في وزارة الخارجية الصهيونية أسماء أصحابها في لائحة ضمت أسماء الكتاب العرب الذين يمثلون وجهة النظر الصهيونية في الصراع مع المقاومة الفلسطينية، وأخفت أخرى كي لا تفضحهم جميعا وتبقي على بعضهم خلف الستار، وأوصت في بيانها المدرج على موقع الوزارة على شبكة الإنترنت بمتابعة مقالاتهم!
فإذا كان سلاح الطيران الصهيوني قد أمطر من خلال 2500 غارة قطاع غزة بأزيد من 1000 طن من القنابل فإن ما تقذفه يوميا الصحافة العميلة للاحتلال داخل مجتمعاتنا أضعاف أضعاف ذلك، تمرر فكرا دخيلا على دين المسلمين وهويتهم وثقافتهم، لتهدم به أكثر مما هدمت جيوش الصهاينة، تهدم به العقائد وتلوث الأفكار وتخرب الأخلاق، تحارب الدين وتشوه سمعة العلماء، وتلغي عقيدة الولاء والبراء، تعظم المحتل وتزرع في النفوس الوهن والضعف والتبعية المطلقة له.
أحداث غزة تحتاج منا إلى وقفات ووقفات، تحتاج منا إلى مراجعة مواقفنا اتجاه مجلس الأمن والأمم المتحدة والمؤسسات الغربية، تحتاج منا أن نحذَر من سفراء الغرب المعتمدين في بلادنا، تحتاج منا إلى مراجعة مفاهيمنا ووزنها بالميزان الشرعي، تحتاج منا أن نتذكر أن آلة الدمار الصهيونية الغربية سبق لها وأن ارتكبت العديد من المجازر الوحشية في حق أبنائنا، وكان مصيرها النسيان، فهل سيلقى عدوان غزة المصير نفسه؟
تبصيرا للرأي العام، وكي لا تغيب محرقة غزة عن أذهاننا، ارتأت جريدة السبيل فتح ملف في الموضوع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *