ونحن في خضم النقاش الوطني المفتوح حول تعديل مدونة الأسرة لابد أن ننتبه إلى حجم التحديات التي على عاتق كل الفاعلين بالمغرب، لإنقاذ الأسرة المغربية من المخططات الناعمة التي تحاك لها في الليل، ومن أبرزها المنظومة الحقوقية الدولية التي تختبئ وراء الشعارات الرنانة لحقوق الإنسان لبرمجة عقولنا قبل فرض إرادتها علينا لتثبيت أبشع الممارسات في حق الأسرة.
ومن هذه الممارسات الشنيعة في حق الأسرة ما بتنا نسمعه من حين لآخر في الدول الغربية، كحق المرأة في الإجهاض وحق الطفل في التحول الجنسي، وحق المواطن في الموت الرحيم، كانت هذه الحقوق إلى عهد قريب تصنف في خانة الجرائم لدى الغرب، لكن في لمحة برق أصبحت حقوقا يبشر بها الغرب كل الدنيا.
مثلا سأعود بكم لمؤتمر قمة تنظيم الأسرة لعام 2017، المنعقد في العاصمة البريطانية لندن، وهي قمم أممية قليلة ونادرة لأن الفكرة الجديدة التي جاءت بها العولمة هي تعريف المجتمع بالرجل والمرأة والطفل، أما أسرة فلا مجال لها في المجتمع الحديث. هذا المؤتمر جمع قادة ومناصرين من جميع أنحاء العالم للالتزام بتوسيع نطاق إيصال أشكال منع الحمل الحديثة إلى 120 مليون امرأة لا تصلهن تلك الوسائل، مع التركيز بشكل خاص على الفئات الأكثر تهميشا وضعفا.
ويركز هذا الحدث الذي ينعقد تحت عنوان: “تنظيم الأسرة: تمكين السكان، تنمية الدول”، على أربع قضايا رئيسية هي: نماذج التمويل المبتكرة لشراء وسائل منع الحمل عالية الجودة وتوزيعها؛ وتعزيز سلاسل الإمداد وتوسيع نطاق وسائل منع الحمل المتاحة للمرأة؛ وتمكين الشباب من الحصول على المعلومات والرعاية المتعلقة بتنظيم الأسرة؛ والوصول إلى من يصعب الوصول إليهم، مثل النساء في الأزمات الإنسانية أو مواجهة الحواجز الثقافية.
إنه عنوان الأزمة بكل معنى الكلمة إذ يجتمع العالم لتباحث قضايا الأسرة بتشريع ما يهدم الأسرة ويخربها.
أما بخصوص قضايا المرأة فحدث ولا حرج، إذ يجتمع الآلاف سنويا في قمم ومؤتمرات ومجالس تصدر عنها عشرات التوصيات تحت مسميات حقوق المرأة والمساواة والعدالة، لكن الهدف واحد هو كيف نخرج المرأة من فطرتها السليمة المتجلية في بناء الأسرة وتربية الأجيال وصناعة المجتمع السليم، وهي المادة الرمادية الحيوية التي تبعث كل الأمم، وكيف نجعل من هذه المرأة سلعة سهلة للمتاجرة بها في سوق البوليميك السياسي الأممي، لتكون بدورها المدفع الناهض للأسرة ومصلحة الأبناء والمجتمع كذلك.
وفي هذا الصدد، نورد أفكارا جد مهمة للباحثة الأمريكية من أصول لبنانية، غنى الخير، حيث تقول في مقال لها، وهي المتخصصة في قضايا المرأة “إن المطلوب هو النفاذ إلى حياة المسلمين وتدمير الأسرة المسلمة بإفساد نسائها، وبالتالي إفساد الجيل المسلم بأكمله.
إن حال المرأة في الغرب حال كارثي أحط بها وجعلها سلعة تُستخدم ببشاعة من قبل المجتمع الديمقراطي العفن ولا وجه للمقارنة بين منزلة المرأة الراقية في الإسلام وبين حالها المتردي في ظل الحضارة الغربية. لا يشك عاقل أن الغرب الديمقراطي ينقم على المرأة المسلمة في ظل ما أعطاها الإسلام من منـزلة رفيعة ويريد أن يفسدها حتى يفسد حياة المسلمين ويوهنها، لأن المرأة هي أساس في هذه الحياة فهي الأم الحنون والزوجة الصالحة والأخت الفاضلة ومن مدرستها الحقيقية يتخرج الأبطال وتتربى الأجيال”.
وتكمل الباحثية في شرحها الواقعي “ومن هنا كانت برامج وخطط المفسدين موجهة إلى هذا الكيان القوي الطاهر لزعزعته وتحطيمه، حتى يرسخ في المجتمع المسلم النموذج الغربي عن المرأة وحتى يستطيع الغرب ترويج بضاعته الهابطة عندنا وحتى تكرس المفاهيم المغلوطة في حياة المسلمين. لا شك أن كل الضجة والإثارة اليوم حول المرأة المسلمة بالذات وكل المؤتمرات والدعم المالي والبرامج للمطالبة بحقوق المرأة، ليس لأن المرأة في الإسلام مسلوبة الحقوق في الحقيقة لكن القضية هي أن المناداة بحقوق المرأة ليس إلا جزء من حملات فكرية ثقافية وسياسية مدروسة ومبرمجة يقودها الغرب في بلاد المسلمين منذ أن هدمت دولة الخلافة. وذلك حتى يحرفهم عن دينهم وعن وعيهم على قضاياهم ما يسهم في استمرار تردّيهم وعدم نهضتهم”. إن الحرية في الغرب معناها إباحية المجتمع وتحرره وتحلله من كل القيم التي ترفع من شأن الإنسان. أما الحرية والحقوق التي يُنادَى لها للمرأة المسلمة هي أن تصبح كشأن المرأة في الغرب متفلّتة من أية ضوابط أخلاقية وسلعة يستغلها المجتمع أبشع استغلال. إن أبرز ما يسميه الغرب حرية المرأة هو انقيادها وراء ادعاءات جوفاء وشعارات ساذجة أزالت ما تبقى لديها من الحياء ونزعته منها، محاولة في كل ذلك إعطاءها “حقوقها”. هذه الشعارات التي سعت جاهدة إلى تشويه صورة المرأة ودورها الحقيقي في الحياة.
قد نوصم بشتى الشعارات وتهم الرجعية والمحافظة، لكن الأهم في كل ما يناقش هو أن نعري مؤامرات الغرب ضد المتجمعات المتماسكة، التي تشكل فيها الأسرة (الرجل، المرأة، الطفل) العمود الفقري لبناء الحضارات العالمية.