يوم كان الكيان الصهيوني يقوم بحصار غزة، وببناء الجدار العازل ليحمي المغتصبات على أرض فلسطين المحتلة، ويشرد شعبها ويجوعه، تنكرت المنابر العلمانية المتطرفة، والمشبوهة التمويل للقضية الفلسطينية، ولم تحرك قلمها قط للكتابة حول الانتهاكات التي مارسها العدو الصهيوني المغتصب مكتفية بالعمل على تخريب منظومة قيم أخلاق الشعب المغربي المسلم، بل بلغ بها التطرف إلى درجة شن حرب ضروس على كل مخلص للقضية الفلسطينية، فحين زار الشيخ رائد صلاح رئيس جمعية الأقصى لرعاية المقدسات الإسلامية المغرب وألقى خطابا بمدينة فاس في محاولة لعرض القضية الفسطينية وإحيائها في قلوب المغاربة المسلمين قامت هذه المنابر مرة أخرى بالتنكر لقضية الفلسطينية بدعوى أن المغاربة لهم ما يكفيهم من المشاكل، وأن الشرق ما أتانا منه إلا القضايا الخلافية، ومن جملة ما سودت به هذه المنابر صفحاتها نذكر مقالا نشرته مجلة نيشان بعنوان “آش من قضية فلسطينية” وهو مقال يدل عنوانه على مضمونه ويطفح حقدا وتنكرا لقضايا الأمة الإسلامية، فقد زعم صاحب المقال أن (عدونا الحقيقي يكمن في طريقة تفكيرنا، وليس في العدو الصهيوني) و(ما جَبْنَا من الشرق سوى قرون من الظلام..)، و(كالك القضية الفلسطينية كونو تحشمو شوية) (آش من قضية فلسطينية؟) نيشان العدد: 154.
فالمنابر العلمانية لا حق لها في الكلام عن القضية الفلسطينية البتة، وحقهم اليوم أن يكفوا ألسنتهم وأقلامهم، فبالأمس القريب يستهزؤون بالمدافعين عن القضية الفلسطينية، واليوم وبعد أن انكشف الغطاء وظهرت حقيقة المؤامرة الدنيئة على شعب فلسطين المسلم يظهرون في ثوب الحمل الوديع المدافع عن الحقوق والمكتسبات!!.
إن الأحداث الأخيرة في قطاع غزة كشفت اللثام عن وجه العلمانية القبيح وعن حقيقة الدعاوى والشعارات التي ترفعها المنابر العلمانية داخل المجتمعات المسلمة، والمطالبةِ بالتحاكم إلى الشرعية الدولية -هذه الشرعية التي سلمت القدس وأرض فلسطين للصهاينة- باعتبارها السلطة العليا التي تفصل في النزاعات وتحدد مصير الشعوب والأمم، ومحاربة عقيدة الولاء والبراء ونبذ ثقافة الحقد والكراهية خاصة اتجاه الصهاينة على اعتبار أنهم منبوذون في المجتمع المسلم والغربي كذلك -كما هو الحال في العدد الأخير من مجلة “نيشان” (مذبحة غزة) تحت عنوان “وحده من يأكل الرفيسة العمية ويلعب بالخشيبات والطرومبية سيحافظ على إسلامه”-، والعمل على تلميعهم ونشر أفكارهم والدعوة إليها بتخصيص الصفحات والمنتديات، بحكم أنهم قد قدموا للإنسانية تراثا عظيما في شتى المجالات الثقافية والفكرية..
فعلا، اليهود قدموا للعالم تراثا عظيما من الإلحاد والكفر، كاد أن يفتك بالعالم ويلقي به في الهاوية السحيقة، فـ “لو أنهم رموا على العالم الإنساني خمس قنابل ذرية وهيدروجينية ما كانت ستؤثر فيه مثل تأثير خمسة علماء يهود من أئمة الكفر والضلال، وهم ماركس الشيوعي، وداروين الاستحلالي، وفرويد النمساوي-عضو جمعية أبناء العهد ( بناي برث) التي أسست مستوطنة موتسا عام 1894م أول مستوطنة يهودية بالقرب من القدس مشكلين بذلك نواة الكيان الصهيوني الحالي-، وأوجست كونت الفرنسي الوضعي، ودوركهايم الاجتماعي، هؤلاء أفسدوا وفتكوا بعقل وأفهام أخلاق العالم الإنساني، وقد أكبرهم اليهود وعظموهم وجعلوا منهم أئمة وأعلاماً..” كما قال شيخ الإسلام مصطفى صبري رحمه الله تعالى.
لا شك أن المواطن المغربي سيخرج من محنة غزة بتجربة كبيرة فيما يخص جدوى التحاكم إلى الشرعية الدولية وانتظار حل قضايانا المصيرية من خلال هذه المنظمات..
واليوم ظهرت حقيقة هذه الدعاوى والشعارات، فأي تسامح نرجوه نحن المسلمين أكثر من عملية “الرصاص المصبوب” على قطاع غزة المحاصر أكثر من سنة ونصف، وأي شرعية دولية نتوخاها والولايات المتحدة وحلفاؤها من الأوربيين أصحاب الملة الواحدة لا يستحيون في قولهم “إسرائيل” تدافع عن نفسها فقط ضد الإرهاب الفلسطيني!!، كما “لو أن شخصاً قام يخنق شخصاً آخر، وبالطبع فإن المخنوق سوف يدافع عن نفسه بأظافره وأسنانه، وربما يتسبب في بعض الخدوش التي تلحق خانقه، أرأيت لو أن الجاني قام بعد أن يفرغ من ضحيته وعقد مؤتمراً رام فيه أن يقنع الناس بأن الضحية كان إرهابياً عنيفاً عدوانياً، لماذا؟ بسبب هذه الخدوش والجروح التي لحقت به!! أليست هذه مهزلة!!؟ إن هذا ما يحدث اليوم في غابة البشر، ولكن لا عليك فنحن في عصر المهازل!!” من مقال العلمانية وثقافة السلام د. أحمد إدريس الطعان بتصرف يسير.
إن قضية فلسطين قضية إسلامية وليست قضية قومية أو عرقية أو صراع من أجل الأرض كما يريد العلمانيون أن يصوروها، لذا فلن تعود فلسطين ولن يحرر الأقصى إلا إذا عدنا إلى ديننا الحنيف علما وعملا واحتكاما، وأدركنا أن العلمانية هي السلاح الذي يستعمله الصهاينة والغرب عموما لتفريق شملنا وتشتيت أمتنا ونبذ وحدتنا ليسهل عليهم السيطرة علينا فمتى تنتبه الأمة إلى مكائد الصهاينة وأعوانهم من العلمانيين.