لن نفهم طبيعة النتائج المحصل عليها في الأبحاث السوسيولوجية ما لم نفهم طبيعة السوسيولوجيا نفسها، فالسوسيولوجيا علم استعماري واكب الحملة الاستعمارية على البلاد العربية والإسلامية، قاده ضباط عسكريون استعماريون وكتاب غربيون وطائفة من الباحثين العرب المتأثرين بالمفهومات الاستشراقية وبالخطابات الغربية، وتأسس هذا العلم على يد الدول الوطنية في الغرب، نذكر على سبيل المثال فرنسا لما فكرت في احتلال المغرب أحدثت هيئة في مدينة طنجة سنة 1903م، وهي هيئة علمية سوسيولوجية اشتغلت إلى غاية سنة 1934م، وكان من أهدافها الاهتمام بالعنصر البربري وتفريقه عن العربي، والاهتمام بالبنيات العتيقة، وإنشاء مجلات مثل (مجلة إفريقيا الاستعمارية)، وإحداث مدارس للتسيير الإداري، وأخرى للتدبيرات والدراسات العسكرية، وأحدث قسم السوسيولوجيا في الإقامة العامة، ولم يكن تابعاً لإدارة التعليم وإنما كان تابعاً للأبحاث العسكرية العامة، وفرض على طلبة المدرسة الإدارية تقديم تقرير ذي طبيعة سوسيولوجية حول موضوع اجتماعي معين، وفي المدرسة العسكرية بمكناس بالمغرب؛ أحدثت قسماً للدراسات السوسيولوجية، وكانت التعليمات التي تُقدم للمراقبين الاستعماريين تنص على ضرورة تقديم مساعدات لكل الباحثين السوسيولوجيين.
ثم استعان الاستعمار والاستشراق بعلم آخر هو علم الأنتروبولوجيا، يقول عنه أحد الباحثين: “ولا أوضح على ذلك من التدليل بالجهود التي قام بها الأنتروبولوجيون في سبيل تسهيل الطريق للسلطة السياسية الحاكمة ؛ بتقديم خلاصة أبحاثهم وحصيلة معرفتهم المتعلقة بكيفية التعامل مع هذا (الآخر)، لقد آثرت الأنتروبولوجيا البريطانية منذ بدايتها الأولى أن تقدم نفسها على أنها العلم الذي بإمكانه تقديم الخدمات النافعة للإدارة الكولونيالية، وذلك لأسباب واضحة ؛ أهمها أن الحكومات الكولونيالية وجماعات المصالح هي أفضل من سيقدم الدعم المالي لمثل هذا العلم” (مجلة العلوم الاجتماعية).
وربط رجال الاجتماع بين شرعية ممارستهم للعلم واستمرار صدامهم مع الدين لتحقيق الاستقلالية التي يطمحون إليها، فناصبوا الدين العداء، واعتبروا إقصاءه شرطاً ضرورياً لممارسة العلم، فأخضعوه لتحليلاتهم وتفسيراتهم وتصوراتهم، وفي أذهانهم اعتقاد خاطئ بأن الدين كان ولا يزال ينافس العلم في العالم العربي، وغاب عنهم تماماً أن الدين والعلم في الإسلام متساندان وليسا في تصارع وصدام كالحال في بلاد الغرب.
يرفض علم الاجتماع الدين لأنه يريد أن يقدم معطيات الحياة الاجتماعية من عنده تحت غطاء تعرية هذه المعطيات، ولهذا السبب كان انتقاد علم الاجتماع للدين جزء لا يتجزأ من طبيعة تكوينه، وكان صدامه مع الدين أمراً لا مفر منه، وإذا التقيا فإن التقاءهما لا يمكن أن يتم إلا عبر صراعات.
يقول محمد شقرون (جامعة محمد الخامس): “إن ضرورة تفكيك الدين من أجل التحرير الضروري لمجال الفكر، وذلك لإنتاج تأويل علمي عن الاجتماعي، لم تطرح بصراحة وجرأة في الوطن العربي كضرورة واضحة لممارسة العلم بصفة عامة، وممارسة العلوم الإنسانية بصفة خاصة، ويرجع هذا بالطبع إلى غياب حقل علمي يتمتع بكامل الاستقلالية عن السياسي وعن الدين نفسه” (محمد شقرون ص: 129).
فهل يمكن والحال هذه القبول بخلاصات هذه الدراسة واعتمادها في أي تخطيط للنهوض بالأوضاع المتردية لبلادنا؟ خصوصا وأن التطور الاجتماعي يسير نحو انتشار التدين الواعي لدى المغاربة.