تأملات في العقيدة والمنهاج تميز كل من العلم والعمل في الإسلام الحلقة الرابعة بقلم العلامة الدكتور لحسن وجاج

5- ضرورة التمييز بين العلماء والكتاب

من أهم ما يلزم طالب العلم التمييز بين العلماء والكتاب؛ فالعالم في الإسلام هو المتمكن من علوم الكتاب والسنة، والكاتب أو القارئ من ينتسب إلى العلم إلا أنه غير ماهر به، وغالب الأخطاء التي ترتكب في عالم الفتوى الشرعية اليوم من الكتاب لا من العلماء، وفي موضوع الفرق بين العلماء والكتاب المعاصرين يقول العلامة المعلمي: “وأما كتاب العصر فإنهم مقتدون بكتاب الإفرنج الذين يتعاطون النظر في الإسلاميات ونحوها، وهم مع ما في نفوسهم من الهوى والعداء للإسلام إنما يعرفون الدواعي إلى الكذب ولا يعرفون معظم الموانع منه، فمن الموانع التدين والخوف من رب العالمين، وأولئك الكتاب لا يعرفون هذا المانع لأنهم لا يجدونه في أنفسهم ولا يجدونه فيمن يخالطونه من تقهرهم سيرته على اعتقاد اتصافه بهذا المانع لضعف الإيمان في غالب الناس ورقة التدين، ولا يعرفون من أحوال سلف المسلمين ما يقهرهم على العلم باتصافهم بذلك المانع، لأنهم إنما يطالعون كتب التواريخ وكتب الأدب كالأغاني ونحوها، وهذه الكتب يكثر فيها الكذب والحكايات الفاجرة”.
وفي موضوع التفرقة بين العلماء والمفكرين يقول عبد الرحمن بن معلا اللويحق: “وهؤلاء ليسوا من علماء الشريعة وإنما هم مفكرون على فرض صحة هذا التعبير، هناك طائفة من المثقفين الصالحين الأخيار ذوي تخصصات علمية برزوا فيها سواء في العلوم التجريبية مثل الطب والهندسة والكيمياء، أو في العلوم المسماة بالعلوم الإنسانية مثل علم النفس وعلم التربية وعلم الاجتماع، فهؤلاء وإن حمد لهم تخصصهم في مثل هذه العلوم وصاروا مرجعا فيها، فإنهم غير مختصين في العلوم الشرعية وهم في الاصطلاح العلمي الشرعي من جمهور المسلمين وعوامهم الذين يجب أن يكونوا وراء العلماء ويجب أن يرجعوا إلى العلماء في أمور الشريعة ويكونوا عونا لهم في شرح واقع تخصصاتهم، فالطبيب يشرح الأمور الطبية والاقتصادي يشرح الجوانب الاقتصادية العصرية وهكذا” اهـ.

6- الإشارة إلى بعض مميزات العلم والعمل في الإسلام
العلم والعمل في الإسلام مرتبطان ارتباطا وثيقا لدرجة أن العلم بدون عمل لا قيمة له في نظر الإسلام وأن العمل بدون علم كذلك، وفي سورة الفاتحة إشارة إلى أن العمل بدون علم ضلال وأن العلم بدون عمل يستوجب غضب الله، وفي سورة الصف إعلان بأن القول بدون عمل مقت، ومعنى المقت أشد الغضب، وفي آخر سورة الشعراء التحذير من اتباع الشعراء لأنهم يقولون ما لا يفعلون.
وفي شرح الطحاوية قرر الشارح أن توحيد الربوبية وكذا توحيد الصفات من قبيل العلم وأن توحيد الألوهية من قبيل العمل، ومعنى ذلك أن التوحيد الصحيح لا بد أن يشتمل على العلم والعمل جميعا، وأن العمل لا يقبل إلا إذا كان خالصا صالحا في آن واحد، ومعنى الإخلاص أن يراد بالعمل وجه الله، ومعنى الصلاح أن يوافق العمل سنة رسول الله، وفي آخر سورة الكهف ما يدل على اشتراط الوصفين في قبول العمل عند الله.
هذا في باب التوحيد، وفي باب الإيمان كذلك نلاحظ أن الإسلام لا يرضى من أنواع الإيمان ما كان مبنيا على مجرد المعرفة كإيمان الجهمية، ولا ما كان مبنيا على مجرد القول كإيمان الكرامية، ولا ما كان على مجرد تصديق القلب كإيمان المرجئة، وإنما يرضى الإيمان الكامل الذي يشتمل على العلم والعمل والقول والتصديق والاتباع كما قال سهل بن عبد الله التستري: “الإيمان قول وعمل ونية وسنة، لأن الإيمان إذا كان قولا بلا عمل فهو كفر وإذا كان قولا وعملا بلا نية فهو نفاق، وإذا كان قولا وعملا ونية بلا سنة فهو بدعة”اهـ.
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن العلم شطر الإيمان الأول وأن العمل شطره الثاني، فبالعلم يعرف المؤمن أسماء الله وصفاته وبه يعرف من الأعمال ما يرضيه وما يغضبه، ومن المسلمات الأولى في الإسلام أن المسلم لا يجوز له أن يقدم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه، وأيضا من القواعد المأثورة عن السلف أن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يرد دليل بالمنع بخلاف العبادات فالأصل فيها المنع حتى يرد دليل بالإذن، وهذا كله يفيد الارتباط الشديد بين العلم والعمل في الإسلام وأن كل ما كان ميزة للعلم يكون ميزة للعمل في الإسلام.
يتبع ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *