لا حقوق للإنسان المسلم في شريعة الأمم المتحدة إبراهيم الطالب

لقد سجل التاريخ بدل التقدم والسلام وحسن الجوار الذي وعد به الكيان الصهيوني العديد من المذابح المتتابعة التي تنبؤنا بأن الصهاينة لا يرضون منا إلى الخضوع والاستسلام، وتؤكد لنا أن كل الطرق السلمية التي تعامل بها العرب مع قضية فلسطين لم تزدهم إلا ذلا، فلم يبق أمامنا إلا خيار المقاومة وعلى أساس الإسلام، فالقومية لم ترجع لنا القدس، وولاؤنا لأمريكا أو الاتحاد السوفييتي لم يرجع لنا الأرض ولم يحفظ لنا العرض، والأمم المتحدة انكشف تواطؤها منذ الوهلة الأولى.

قنابل وصواريخ انفجرت، ودماء طاهرة سفحت، وأرواح زكية أزهقت، وأشلاء نساء وشيوخ وصبيان تناثرت، في أرض مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم نسمع إلا الاستنكار والشجب، والاعتراض والإدانة، بينما عدد الشهداء في ارتفاع مستمر مهول.

إن مذابح الكيان الصهيوني في حق الأبرياء من المسلمين، متواصلة لم تنقطع منذ مذبحة دير ياسين والتي وقعت غربي القدس في 09 من أبريل عام 1948م إلى مذبحة غزة في 27 من دجنبر عام 2008م.
أكثر من 60 سنة من التقتيل والتشريد والتدمير لم يخلف فيه الصهاينة وعيدهم، ولم يغير اليهود أفعالهم، ينشدون السلام بالقول ويرتكبون المجازر بالفعل.
لم يتغير شيء من عقيدتهم التلمودية، فأمام عدسات التصوير ينشدون السلام والمحبة، وعلى الأرض يسفكون الدماء ويهلكون الحرث والنسل، وليس من قبيل الصدفة أن تتطابق أحداث وملابسات مجزرة دير ياسين التي نفذت على أيدي أتباع الجماعتين الصهيونيتين الإرهابيتين: “أرجون” و”شتيرن”، بعد أسبوعين من توقيع معاهدة سلام طلبها رؤساء المستوطنات اليهودية المجاورة، ووافق عليها أهالي قرية دير ياسين، مع أحداث وملابسات مذبحة غزة التي نفذها الجيش الصهيوني بعد هدنة طالب بها الجانب الصهيوني حماية للمستوطنين من صواريخ المقاومة الإسلامية علما أن هذا الجيش تكوّن بالأساس من عناصر الجماعتين الإرهابيتين المذكورتين، مما يثبت أن القتل والتدمير عقيدة عند اليهود الصهاينة، رغم إجادتهم التقية أمام العالم ورفعهم في كل مناسبة شعارات المحبة والتعايش مظهرين الرغبة في تحقيق السلام.
فمنذ اليوم الأول لإعلان الكيان الصهيوني قيام دولته في فلسطين المسلمة، لم يََمَلَّ قادة الصهاينة من مخادعة العالم، فقد جاء في نص إعلان دولتهم بتاريخ 14 ماي 1948م -أي بعد 35 يوما من مذبحة دير ياسين التي قتل الإرهابيون الصهاينة فيها المئات من المسلمين-: “نناشد السكان العرب في (دولة إسرائيل) وسط الهجوم الذي يشن علينا -ومنذ شهور- أن يحافظوا على السلام، وأن يشاركوا في بناء الدولة على أساس المواطنة التامة القائمة على المساواة والتمثيل المناسب في جميع مؤسسات الدولة المؤقتة والدائمة.
إننا نمد أيدينا إلى جميع الدول المجاورة وشعوبها، عارضين السلام وحسن الجوار، ونناشدهم إقامة روابط التعاون والمساعدة المتبادلة مع الشعب اليهودي صاحب السيادة والمتوطن في أرضه. إن (دولة إسرائيل) على استعداد للإسهام بنصيبها في الجهد المشترك لأجل تقدم الشرق الأوسط بأجمعه”.
لقد سجل التاريخ بدل التقدم والسلام وحسن الجوار الذي وعد به الكيان الصهيوني العديد من المذابح المتتابعة التي تنبؤنا بأن الصهاينة لا يرضون منا إلى الخضوع والاستسلام، وتؤكد لنا أن كل الطرق السلمية التي تعامل بها العرب مع قضية فلسطين لم تزدهم إلا ذلا، فلم يبق أمامنا إلا خيار المقاومة وعلى أساس الإسلام، فالقومية لم ترجع لنا القدس، وولاؤنا لأمريكا أو الاتحاد السوفييتي لم يرجع لنا الأرض ولم يحفظ لنا العرض، والأمم المتحدة انكشف تواطؤها منذ الوهلة الأولى.
ألا يعتبر من الخيانة الدينية والتاريخية أن نسلم إخواننا في فلسطين إلى الصهاينة اليهود ليبيدوهم؟
ألم ييأس الحكام والمثقفون المسلمون من الشرعية الدولية والأمم المتحدة؟
أين هي الشرعية الدولية التي أعطت للصهاينة الحق في فلسطين سنة 1948م؟

الأمم المتحدة الخصم والحكم
لقد جاء صريحا في نص إعلان الدولة الصهيونية أن هذه الأخيرة إنما قام كيانها بقوة القرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة: “نجتمع هنا -نحن أعضاء مجلس الشعب، ممثلي الجالية اليهودية- في أرض (إسرائيل) والحركة الصهيونية في يوم انتهاء الانتداب البريطاني على أرض (إسرائيل)، وبفضل حقنا الطبيعي والتاريخي، وبقوة القرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، نجتمع لنعلن -بذلك- قيام الدولة اليهودية في أرض إسرائيل، والتي سوف تدعى (دولة إسرائيل)”.
إذًا لا شيء سوى حق تاريخي مزور، أخذ مصداقيته من تأييد الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أنشأها أعداء الأمة الإسلامية حتى يسوُّوا خلافاتهم حول توزيع بلدان المسلمين بعد إسقاط خلافتهم الإسلامية، وفشل عصبة الأمم التي أنشئت للغرض نفسه.
فلماذا يفرض علينا الغرب الاحتكام إلى شريعته، أليس هو الغرب ذاته من كان إلى الأمس القريب محتلا لأرض المسلمين ناهبا لخيراتها هاتكا لأعراضها؟
إننا بإصرارنا على التحاكم إلى ما سطره الغرب وأنتجه في منظمة الأمم المتحدة نكرس التبعية والتخلف باسم الثقافة الكونية إذ ليس من المعقول أن نطلب العدل والإنصاف من عدو تاريخي لم يكف عن خداعنا.
لقد استغل الغرب نفسية العربي التواقة إلى السلطة والملك فشق الصف الإسلامي بالتفرقة بين العنصر التركي والعربي ولم يستفق العرب إلا بعدما أسقطت الخلافة التي ساهم العرب أنفسهم في اغتيالها طمعا في أن يعطيهم الإنجليز الملك بعد القضاء على الدولة العثمانية المسلمة، وعندما اكتشفوا تقديم اللورد بلفور الوعد إلى اليهود الصهاينة آذنا لهم في الإعداد لقيام دولتهم، أبدوا إزاءه السخط والغضب فلما رأت بريطانيا منهم ذلك وإمعانا في الخداع والتضليل أرسلت إلى الشريف حسين رسالة، (حملها إليه الكولونيل “باست”- تؤكد فيها الحكومة البريطانية أنها لن تسمح بالاستيطان في فلسطين إلا بقدر ما يتفق مع مصلحة السكان العرب، من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، ولكنها -في الوقت نفسه- أصدرت أوامرها إلى الإدارة العسكرية البريطانية الحاكمة في فلسطين أن تطيع أوامر اللجنة اليهودية التي وصلت إلى فلسطين في ذلك الوقت برئاسة “حاييم وايزمان خليفة “هرتزل”)1.
ألم يَكْفِ الحكام المسلمين كل هذا الخداع والقتل والتدمير الممتد على طول التاريخ حتى يقطعوا العلاقات مع الكيان الصهيوني؟
ألم يستوعب المسلمون بعد طول التجارب أن الصهاينة وأمريكا وأوربا يطبقون سياسة الحرب على الأرض في حل مشاكلهم وحماية مصالحهم بينما حكومات الدول الإسلامية لا يعرفون إلا أغصان الزيتون والحمائم البيض؟
ألا يمكن اعتبار كل هذا القتل والتدمير وكل تلك الحروب والإبادات الماضية والحالية ضد الشعوب الإسلامية فاسخا لاتفاقيات السلام المخزية؟
ألم يتضح للجميع أن الدول العربية المطبعة للعلاقات مع الكيان الصهيوني أصبحت مجرد حارسة لحدوده، مانعة أي تدخل أو إعانة سواء عسكرية أو مدنية من طرف الشعوب أو الجيوش الإسلامية لإخوانهم في فلسطين؟

إن العالم الإسلامي كله متأكد تماما أن الأمم المتحدة لن تتحرك حتى ينجز الكيان الصهيوني كل أهدافه، وبعد ذلك ستأمر أمريكا الدول العربية على إجبار المقاومة على الجلوس إلى مفاوضات سلام ليس له معنى سوى الاستسلام.
أين دعاة السلام والتعايش ونبذ الحقد والكراهية مما يجري في غزة؟
أليست اتفاقيات السلام هي السبب في الحصار المفروض على الفلسطينيين وعزلهم عن إخوانهم في باقي بلدان العالم الإسلامي؟
لقد أماطت مجزرة غزة النقاب عن وجه العلمانية المتواطئة مع الكيان الصهيوني، وأثبتت أن على الغيورين أن يضاعفوا العمل حتى يبقى وعي الشعوب الإسلامية بقضية القدس بعيدا عن العبث العلماني والصهيوني على السواء، خصوصا وأن الأجيال الصاعدة لا تعرف شيئا عن الاحتلال الصهيوني إلا ما تتناقله وسائل الإعلام المستقلة.
مما يجعل إصرار المسئولين على تغييب القضية الفلسطينية عن مقررات التعليم في البلدان الإسلامية يعتبر إحدى أكبر الجرائم التي لا تقل بشاعة عن مجزرة غزة، لكونها تخدم مصالح الصهاينة الذين ينفقون ملايير الدولارات على التعتيم الإعلامي وتزوير الحقائق، حتى يضللوا العالم، مراهنين على ضعف الوعي العربي والإسلامي بخطورة أهدافهم.
وأخيرا نتساءل: ألا ينقل هذا الصمت المتواطئ من طرف الدول العربية الصراع من الأراضي المحتلة إلى صراع بين الحكومات الإسلامية وشعوبها، ويسوغ أعمال الشغب والعنف للغلاة في بلداننا؟
إن كل الأحداث والوقائع والنتائج تلزم المسلمين والعرب بأن يعيدوا النظر في التعامل مع الغرب جملة وتفصيلا،مع الأخذ بأسباب الوحدة المبنية على أساس الدين لبناء الذات بعيد عن التبعية أو الوصاية الغربية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر كتاب “إسرائيل” رؤساء الكنيست..رؤساء الحكومات منذ الإنشاء وحتى 2006م

وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *