دأبت المجلة العلمانية “تيل كيل-telquel” الناطقة باللغة الفرنسية -والتي تصدرها الشركة نفسها التي تصدر مجلة “نيشان ” لصاحبها اليهودي “سيرفان شاريبر” وهو مالك أغلب أسهم الشركة، وما أحمد بن شمسي إلا بيدق في لعبة هي في حقيقتها أكبر منه- على إمتاع قرائها بمواضيع تنال من التشريعات الإسلامية وتستهزئ بمقدسات دينية، في إطار التمكين للأسس العلمانية في النسيج السياسي والثقافي والاجتماعي، كان آخرها النداء الذي أطلقته “نيشان” من أجل الدفاع عن الحريات الفردية، بعد خيبة أمل العلمانيين جراء استنكار المغاربة لما وقع في القصر الكبير.
ومن بين المحاولات التي قامت بها مجلة “تيل كيل-telquel” إعدادها لملف رددت فيه شبهات اليهود والنصارى الحاقدين حول القرآن الكريم قصد تشويه قدسيته عند المسلمين، وذلك في عددها 306 الصادر في 12-18 يناير 2008، و ترجمة عنوانه كما يلي: “كل ما تريد دائما معرفته عن القرآن دون أن تتجرأ على السؤال عنه”، وزيادة في الجرأة والتشكيك ضمنوا الملف أسئلة سطرها قبلهم أساتذتهم من المستشرقين الحاقدين على الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم والذين كانوا طليعة الاحتلال الغاشم، ومن هذه الأسئلة:
-لماذا لا يوجد مخطوط باليد للقرآن من طرف محمد صلى الله عليه وسلم؟
-أحقا كان محمد صلى الله عليه وسلم أميا؟
– لماذا لا يكون القرآن دائما نصا تشريعيا؟
– القرآن في معظمه عبارة عن شرح نصي للإنجيل!
وغير ذلك من الشبه التي يروجها الذين في قلوبهم زيغ ابتغاء الفتنة، حتى يشوهوا صورة كتاب الله المقدس في قلوب تعبد الله بتعظيمه، وفي أمثال هؤلاء قال ربنا جل في علاه: “فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ” آل عمران.
وسأكتفي بذكر بعض الشبه التي ساقها الملف لترويج شبه المستشرقين على سبيل المثال لا الحصر.
– “قالوا بأنه لا يوجد مخطوط باليد للقرآن من طرف محمد صلى الله عليه وسلم، وأول إخراج كامل للقرآن كان بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بثلاثة قرون”.
وردا على هذه الشبهة نقول:
ثبت بأدلة كثيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ عددا من الصحابة لكتابة القرآن (وهم من يسمون في كتب السيرة بكتبة الوحي)، فكان إذا نزلت عليه الآيات أو السورة من القرآن دعا الكتبة فأملى عليهم ذلك، وكانوا يكتبون القرآن على الألواح والجلود..، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم دعا أبو بكر الصديق زيد بن ثابت رضي الله عنهما لجمع القرآن في مصحف واحد بعد أن جمعته صدور الكثير من الرجال، فكان من فقه زيد رضي الله عنه أنه لم يكن يقبل حفظ أحد الصحابة حتى يأتي بشاهد ذلك مكتوب على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فجمع القرآن الكريم المحفوظ في الصدور والسطور، وهذه من خصائص القرآن الكريم الذي تكفل الله سبحانه وتعالى بحفظه حيث قال: “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ “الحجر ، فالقرآن الكريم برواياته المختلفة الصحيحة منقول إلينا بالتواتر بنقل أمة عن أمة وهو أعلى درجات الصحة في قبول الخبر، ومحفوظ في الصدور والسطور بحفظ الله سبحانه وتعالى، فلا يحتاج لمخطوط لإثبات صحته، ونعلم القائمين على مجلة “تيل كيل” فهم جاهلون بالإسلام، أن أبا بكر الصديق مات بعد عامين من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وخلف رضي الله عنه القرآن مجموعا بين دفتي المصحف، فأين هي الثلاثة قرون؟
– “قالوا بأن القرآن نادرا ما يكون نصا تشريعيا حيث ركزت آياته على المسائل الشخصية والأسرية والجنائية وغير ذلك، وفي كل المجالات الأخرى فهو متعسر الفهم وغالبا غير واضح”.
وهذه مغالطة أخرى فالقرآن الكريم هو المصدر الأول للتشريعات، وهو أم المصادر التشريعية، حيث إن لم يدل نص بعينه على حكم مسألة فهو بعمومه وأصوله التي بني عليها الإسلام يدل على ذلك، غير أن المسلمين لا يعتبرون القرآن وحده وحي بل يعتبرون سنة النبي صلى الله عليه وسلم وحيا كذلك، بدليل القرآن قال الله تعالى: “وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى” النجم، بل إن بعض الآيات جمعت الدين كله، فدلت على كل الخير وحذرت من كل شر.
وأما قولهم بأن القرآن متعسر الفهم فهو قول باطل يدمغه قوله جل وعلا: “وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ” القمر، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن للناس ما أبهم عليهم من القرآن، أما آيات الأحكام فهي مبينة زادتها السنة بيانا إلا على من رام فهمه بطريقته من غير الرجوع إلى طرق التفسير المعلومة، وليس من حكمة الله أن يكلف الناس بالعمل بكتاب متعسر الفهم، وإنما يعسر فهمه على من أحكمت الشبهات سد أقفال قلوبهم فهم لا يهتدون بنور القرآن وهديه، قال تعالى: “أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا” محمد، وعلى من صرفهم الله عن آياته من المتكبرين، قال منزل القرآن سبحانه: “سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ” الأعراف.
– “قالوا بأن أمية النبي صلى الله عليه وسلم شكك فيها المشارقة بل وبعض الكتاب المسلمين القدامى”.
وأما الجواب عن هذه الشبهة فقد بسط الكلام عنها جماعة من أهل العلم، ويكفي إبطالا لها قوله تعالى:”الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ”، وقوله تعالى: “آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ “، غير أن هذه الشبهة هي فتنة لمن لا يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم مؤيد بالوحي، ومن غيب هذه العقيدة واطلع على تشريعات الإسلام وكيف أحكمت يستبعد أمية النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ما يدعو إليه المستشرقون ليصلوا إلى شبهة أخطر وهي أن الإسلام من وضع محمد صلى الله عليه وسلم، فهو ليس دينا سماويا كما يدعي أتباعه، وبطلان هذا الكلام يعترف به حتى عقلاء المستشرقين، الذين يفرقون بين الأمية والجهل.
– “قالوا بأن القرآن في معظمه عبارة عن شرح نصي للإنجيل”.
وردا على هذه الشبهة نسوق قول الإمام ابن كثير رحمه الله، في تفسير قوله جل وعلا: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ): “فإن اسم المهيمن يتضمن هذا كله، فهو أمين وشاهد وحاكم على كل كتاب قبله، جعل الله هذا الكتاب العظيم الذي أنزله آخر الكتب وخاتمها وأشملها وأعظمها وأكملها حيث جمع فيه محاسن ما قبله وزاده من الكمالات ما ليس في غيره، فلهذا جعله شاهدا وأمينا وحاكما عليها كلها”.
ولكي نفترض صحة هذا الزعم فلابد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف العبرية والسريانية واليونانية التي كتب بها العهدين القديم والجديد حتى يتسنى له شرح ما جاء فيهما فضلا عن كون الأناجيل الموجودة حاليا كتبت بواسطة القديسين الأوائل بعد موت عيسى عليه السلام بأزمنة متفاوتة.. وقد أطلق على كل إنجيل اسم كاتبه بحيث أصبح هناك أناجيل لـ “يوحنا” و”متى ” و”مرقص” و”برنابا”..ويعد الأخير (برنابا) أهم القديسين كونه سيد بولس وأستاذ مرقص ويتفق مع بطرس العظيم في القول بعدم ألوهية المسيح، وموقف برنابا الأخير هو الذي جعل الكنائس المسيحية تتجاهل ذكره ولا تستشهد بأقواله وتحرم إنجيله لأنه
يبشر بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم صراحة.
لأنه يختلف مع بقية الأناجيل في مسألة صلب المسيح.
لأنه يذم من ينادي بألوهية عيسى بن مريم.
وفي الأخير نطلب من القائمين على “تيل كيل-telquel” إعداد ملف موجه للنصارى يقولون فيه الحق وليس الباطل كما فعلوا مع المسلمين بخصوص القرآن، يوضحون لهم أسباب تحريف الإنجيل، ولماذا تحرم الكنيسة إنجيل “برنابا” وهو أصح الأناجيل؟