في غشت من العام المنصرم، زار الرئيس المصري محمد مرسي طهران، وانقسم التيار الإسلامي بين مؤيد ومعارض، وللمعارض مبرراته فهو يرى في إيران دولة احتلال للأحواز العربية، وبلوشستان السنية، وكردستان الشرقية، بشكل عسكري وأمني واستيطاني مباشر، وهي من تضطهد الأقليات السنية في إيران من القوميات الأخرى، وهي من تشارك في قمع أهل السنة والجماعة في العراق الجريح عبر دعمها للمليشيات الطائفية وفرق الموت (جيش المهدي، ميليشيا بدر، فيلق القدس، جيش المختار، حزب الله في العراق، كتائب الثأر، عصائب أهل الحق، ميليشيا حزب الدعوة…).
فقد ذاق أهل الرافدين ألوان الويل والثبور على يد الجماعات المدعومة إيرانيا. وهي من تدعم الحوثيين في اليمن السعيد، وكان آخر جرائهم محاصرة دار الحديث السلفية في دماج، والهجوم على حرس الحدود السعودي الذي خلف استشهاد 91 من عناصر الجيش السعودي، وتدمير المساجد والمكاتب والمرافق السنية في محافظات صعدة ومأرب والحديدة وما جاورها.
وإيران من تسلح وتمول ميليشيات ما يسمى بحزب الله اللبناني؛ وهي من تدعم بشار الأسد وشبيحته بالسلاح والأفراد والخبرات لأجل قمع الثورة السورية المجيدة. وهي من تروج وتدعو للفتنة في البحرين؛ وكذا العصابات الإجرامية في شرق السعودية في منطقة القطيف والعوامية..
فبالتتبع نجد أن إيران أشد خطرا من الكيان الصهيوني وصدق الشيخ أبو إسحاق الحويني لما قال :”الشيعة أخطر من اليهود”. وما أكده معارض سوري مؤخرا لما قال: “خسائرنا نحن العرب السنة من المشروع الصهيوني خلال 60 سنة أقل من خسائرنا على يد المشروع الصفوي الفارسي خلال 30 سنة فقط “، لا أريد أن أطيل في جرائم إيران فلو أردت أن أكتب عنها لجف حبر قلمي قبل أن تنتهي جرائم إيران، وسأحاول التطرق لها في مواضيع لاحقة إن شاء الله.
وعودة إلى موضوعنا، فلما وطأت قدما الرئيس مرسي مطار طهران، أراد النظام الصفوي الفارسي أن يحقق مكسبا سياسيا يبرز من خلالها “نظرية التقريب” وأن إيران تدعم الثورات العربية وأنها أستاذة في هذا الباب، لكن هيهات هيهات، هل يتفوق دهاء أحفاد أبي لؤلؤة المجوسي على ذكاء أحفاد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأحفاد سيدنا عمرو بن العاص (رضي الله عنه) داهية العرب وفاتح مصر ومحررها؟
كان مرسي واعيا بخطط الولي السفيه أو كما يناديه أتباعه (الولي الفقيه)؛ أعطيت الكلمة لمرسي في المؤتمر بدأها بالترضي على ساداتنا (أبا بكر وعمر وعثمان وعلي) رضي الله عنهم أجمعين. وأجهز على القوم بإعلان دعمه وتأييده للثورة السورية المباركة..
وهنا لا ينبغي إغفال الخيانة والوقاحة التي تجسدت في المترجم الإيراني لدى الإذاعة الإيرانية الرسمية بكذبه وتحريفه عمدا وتغييره لعبارات من خطاب الرئيس مرسي، فبدل مصطلح “الربيع العربي” الذي استعمله مرسي بمصطلح “الصحوة الإسلامية” وهو مصطلح إيراني للإشارة إلى أن ثورات الربيع العربي ما هي إلا امتداد و استلهام للثورة الإيرانية ضد نظام الشاه والتي خطفها الخميني وصارت تنسب له زورا وكذبا، وكذا تحريف عبارة “ندعم الثورة السورية” بـ:”ندعم الثورة البحرينية؟!”…
لكن لما الاستغراب؟؟ فمن كذب على الله ورسوله والصحابة وأمهات المؤمنين وآل البيت، لن يتورع عن الكذب على مرسي وغيره.
إن ترضي مرسي على السادة الخلفاء الثلاثة الأبرار بالخصوص (أبا بكر وعمر وعثمان) رضوان الله عليهم؛ الذين يصفهم الروافض بـ(الكفار وأصنام قريش ومزورو القرآن) وما يعف اللسان عن ذكره في معتقدات الرافضة، وكذا إعلان دعمه للثورة السورية لم يكن ارتجالا بل تعمد الرئيس المسلم العربي السني النطق به في عاصمة الشيعة والتشيع وعلى بعد مرمى حجر من “قم” حيث الحوزات والحسينيات المقدسة! وعلى بعد خطوات من قبر الخميني مؤسس الدولة الصفوية الحديثة وصاحب فكرة (تصدير الثورة) أي “تصدير التشيع”.
لقد صدح مرسي بالترضي على الصحابة الأطهار بكل ثقة ورباطة جأش، كان الغضب والاستنكار باديا على وجوه القوم خاصة محمود أحمدي نجاد وهاشمي رفسنجاني، فعل مرسي فعلته وصفق له الجميع على شجاعته وزعزعته للمعتقد الرافضي في عقر داره.
لم يستصغ القوم ما حدث؛ فنحلة يقوم معتقدها على الأحقاد والضغائن والتقرب إلى الله بالسب واللعن لن يقبلوا بما قام به مرسي؛ لكن أيضا لدى القوم مشروع توسعي ومن مصلحتهم تحسين العلاقة مع مصر، فلا بأس أن يكون الرد رمزيا.
وقبل أيام عقدت قمة لمؤتمر دول العالم الإسلامي، قرر الرئيس الإيراني نجاد الحضور لتكون أول زيارة لمسؤول إيراني رفيع المستوى للقاهرة منذ عقود، أرادها نجاد زيارة تاريخية يمرر من خلالها أفكاره ويدعو إلى التقريب ويفتح بابا للتبشير الرافضي في مصر!
وكان في نفسه شيء من إرادة الانتقام مما فعله مرسي، إلا أن الزيارة أتت بغير ما اشتهت سفن ملالي إيران وكانت صفعة ثانية على خدودهم، كان من برنامج نجاد زيارة الأزهر الشريف، لتكون الإهانة الأولى من شيخ الأزهر أحمد الطيب الذي رفض النزول لاستقبال نجاد كما استقبل سابقا أردوغان ورئيس باكستان، بل بقي في مكتبه إلى أن صعد نجاد إليه، فشيخ الأزهر أدرك قامته العلمية والروحية عند المسلمين السنة.
انتهى اللقاء بتأكيد سنية الأزهر لتكون الإهانة الثانية لنجاد، وفي المؤتمر الصحفي رفض شيخ الأزهر المشاركة فيه وأرسل مستشاره ليقف مع نجاد ومرافقيه في المؤتمر، بدأ نجاد يحس بأن زيارته أتت بنتائج عكسية وختمها الشافعي بإهانة ثالثة لنجاد خلال المؤتمر الصحفي فقد أعلن عن مطالب مستفزة ومهينة لإيران بدأها بـ: الكف عن نظرية تصدير الثورة والتدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج العربي، ومنح أهل السنة والجماعة حقوقهم في إيران، ووقف الظلم والجور في حق الأحوازيين العرب.
وفيها دلالة أن الأزهر ممثلا لأهل السنة والجماعة يرفض الظلم ضد أي إنسان كيفما كان دينه أو مذهبه أو عرقه.
كان الذل والصغار مرسوما على وجه نجاد ومرافقيه وهم يسمعون مطالب الأزهر على لسان مستشار شيخ الأزهر، فراح يقول لهم باللغة العربية: “يا حاج ما اتفقنا على ها الشي بل اتفقنا على الأخوة والوحدة ؟!”.
و فيها إهانة رابعة، فالفرس يرون العربية لغة العامة ولغة منحطة فتجد حتى العرب منهم يحورون عربيتهم لتوافق اللهجة الفارسية من حيث ثقل نطقها، إلا أن الشيخ أكمل بيانه وودع نجاد، فما إن خرج نجاد من مقر الأزهر الشريف حتى كان شباب مصر الأحرار يستقبلونه بالنعال ومعهم الدكتور ممدوح إسماعيل القيادي في حزب الأصالة السلفي. لتكون إهانة خامسة لنجاد ولأسياده في قم والنجف، وفي الأمر دلالة أن نجاد غير مرحب به لا شعبيا ولا حزبيا ولا من الأزهر.
إلا أن نجاد أفرغ بعض حقده بإشارة لم ينتبه لها كثير من المنتسبين لأهل السنة والجماعة، وفهمها الروافض على أنها انتقام لخطاب مرسي، فقد لوح نجاد عقب صلاته المصورة بإصبعيه: السبابة والوسطى متلاصقتين، وهي دلالة على دعاء صنمي قريش الذي يتعبدون به، وهو دعاء مقدس عند الرافضة يلعنون فيه وزيرا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أبا بكر الصديق وعمر الفاروق؛ و إبنتيهما أمهات المؤمنين السيدة عائشة والسيدة حفصة رضي الله عنهم أجمعين.
لكن لا مقارنة بين الصفعة الأولى لمرسي في طهران والصفعة الثانية لشيخ الأزهر، وبين إشارة جبانة غامضة.
وأختم بلفتة عابرة لنعمة أنعم الله علينا بها في المغرب، فقد أرشد الله حكام المغرب لقطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصفوي الفارسي بعد إهانته للمغرب سنة 2008 وهذا مكسب لنا ينبغي أن نفرح به وندافع عنه، فبه أغلق الله علينا بابا من أبواب الفتنة والخرافات، فهو بجدارة أنفع وأحسن قرار في السياسة الخارجية يتخذه المغرب في العصر الحديث.
لكن لا نغفل على أن الفكر الرافضي بدأ يتسلل إلى بلدنا سواء عبر الجالية المغربية المقيمة في أوروبا وخاصة بلجيكا، أو من خلال تنظيم رافضي يحمل إسم “هيئة شيعة طنجة” ينتشرون أساسا في مدينة طنجة وهم من أتباع الشيخ الرافضي الكويتي المقيم في أوروبا ياسر الحبيب.
وقد ظهروا بشكل بارز في تشييع جنازة الشيخ الرافضي الطنجي عبد الله الدهدوه الذي قتل في بلجيكا في إحدى الحسينيات، فعلى الحكومة أولا التحرك عاجلا لحماية الأمن الروحي للمملكة من خفافيش الحوزات وأبناء المتعة. وعلى العلماء والدعاة التحذير من انتشار المذهب الشيعي الإثنا عشري في بلدنا السني المالكي.
هذا وصلى الله وسلم على سيدنا رسول الله وعلى آل بيته وأزواجه وأصحابه ومن والاه.