إرشاد ذوي الهمم العالية إلى حفظ القرآن على الطريقة المغربية د. عبد اللطيف تلوان

الحمد لله الذي جعل القرآن الكريم نورا به يهتدى وصراطا مستقيما به يقتدى، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيد القراء وإمام الحفاظ سيد العرب والعجم نبينا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فهذه مقالة في بيان الطريقة الأنجع في حفظ القرآن وتعلمه، وهي طريقة تعتمد على عمل متواصل كل يوم. وقد ضمتنها العناصر الآتية:
أولا: ماذا ينبغي أن يتوفر لدى طالب القرآن؟
ثانيا: عمل اليوم والليلة.
ثالثا: عمل اليوم الموالي.
رابعا: ملاحظات.
خاتمة.
والله ولي كل شاكر حامد، والحمد لله رب العالمين.

أولا: ماذا ينبغي أن يتوفر لدى طالب القرآن؟
أخي يا من تريد أن تكون من ورثة الأنبياء ومن أهل الله وخاصته ومن خير الناس وأفضلهم… بغيتك هذه تنالها بحفظك القرآن الكريم صدرا وتمثلا. والوسائل التي ينبغي أن تتوفر عليها لتحفظ القرآن وتتعلمه هي كالآتي:
1- الوسائل المعنوية:
قبل كل شيء لا بد أن تكون لك عزيمة قوية على أن تحفظ القرآن العظيم كله أو جله، حتى تتذلل لك الصعاب وتهون، وحتى يكون أمر تعلمه عليك سهلا ميسرا.
وتجديد النية أمر ضروري ولازم، إذ يلزم أن تحرص على أن يكون من وراء حفظك للقرآن الكريم وجهَ الله سبحانه وتعالى ولا شيء دونه، ثم تصلي صلاة الحاجة تسأل فيها ربنا سبحانه وتعالى أن ييسر عليك تعلم القرآن ويرزقك حفظه، ومن الأفضل أن تكون صلاتك هذه في جوف الليل؛ لأن ذلك أدعى للإجابة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له» أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
2- الوسائل المادية:
تتطلب منك هذه الطريقة التوفر على ما يلي:
– مصحف من الحجم الكبير برواية الإمام ورش عن نافع.
– لوح خشبي من الحجم المتوسط.
– دواة وقلم وصماغ (وهو مداد خاص بالكتابة على الألواح معروف عند تلامذة القرآن).

ثانيا: عمل الليل والنهار
الحصة الصباحية:

1- الاستيقاظ مبكرا، أي بعد صلاة الفجر قدر المستطاع، ثم تجلس للبدء في عملية حفظ القرآن ناويا مع ذلك جلسة الشروق لتكون من الذاكرين الله بالغداة والعشي والإبكار.
2- خصص ثمنا من القرآن أو أكثر أو دونه، على قدر استطاعتك، وداوم على حفظ هذا المقدار طيلة أيام الأسبوع باستثناء يوم فيه. واعلم أن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل.
3- اقرأ أولا في المصحف ذلك الثمن قراءة متأنية مع الاستعانة بشريط سمعي أو قرص مدمج لمقرئ يتلو برواية ورش عن نافع كالشيخ محمد خليل الحصري، أو المقرئ عبد الحميد احساين، أو العيون الكوشي أو غيرهم، وكثير ما هم.
4- عند حفظك لذلك الثمن في المصحف حفظا أوليا، اكتبه على لوحك بخط واضح سليم من الأخطاء، وبالرسم العثماني، مع وضع علامات المد والوقف…
5- لما تنتهي من الكتابة، راجع ما دونته في لوحك بعرضه على المصحف حتى تحفظ القرآن الكريم حفظا متقنا سليما من أي لحن سواء كان جليا أو خفيا.
6- اقرأ ما كتبته ثلاث مرات أو أكثر حتى تستوعبه، وهذا بعد ضبطه وتصحيحه وفق المصحف الشريف والشريط المسموع.
7- بعد ذلك ضع اللوح جانبا، واشرع في تعاهد ما حفظته حفظا طريا، بحيث يكون المقدار في كل يوم حزبا أو حزبين.
وبهذا تكون قد أنهيت برنامج الحصة الصباحية، لتتفرغ بعدها لعملك أو دراستك…
الحصة المسائية:
8- ترجع إلى ما كتبت في لوحك خلال الفترة الصباحية وتشرع في حفظه حفظا متقنا، وذلك بإعادة قراءته وتلاوته أكثر من عشرين مرة، وهذا يتطلب منك الجهد والصبر.
9- عند تذلُّـله على لسانك، استظهره على نفسك أولا، ثم بعد ذلك التمس أحدا ممن حولك -إن وجد- تعرض عليه ما حفظت والمصحف بيده بشرط أن يكون ماهرا في تلاوته غير مخطئ في قراءته.
وهذا هو برنامج الحصة المسائية التي تمتد من الظهيرة إلى اصفرار الشمس.
الحصة الليلية:
10- تعيد استظهار ما حفظته في هذا اليوم، ثم تشرع في ترداد القرآن الكريم بحيث يكون المقدار خمسة أحزاب عن كل يوم؛ لتختم القرآن مرتين في الشهر.

ثالثا: عمل اليوم الموالي
11- في بداية الحصة الصباحية تستظهر من جديد الثمن الذي حفظته بالأمس، وذلك بعد قراءته عدة مرات في اللوح.
12- بعد تأكدك من حفظه حفظا متقنا امح ما حفظته بماء طاهر في إناء مخصص لهذا الغرض، وعند الانتهاء، ارم ذلك الماء في بقعة طاهرة لا يتصل بها دنس أو نجاسة.
13- عند عرض لوحك للشمس أو للحرارة ليجف من رطوبته، تكون آنذاك منشغلا بإعادة استظهار ذلك الذي محوته.
14- بعد جفاف لوحك، طبق ما نصت عليه بنود برنامج عمل اليوم والليلة من 1 إلى 10.
15- وهكذا تفعل في باقي الأيام حتى تحفظ القرآن، والله المستعان.

رابعا: ملاحظات
1- تلاوتك للقرآن الكريم من أوله إلى آخره بالنظر في المصحف، يراد منها ما يلي:
– التقرب من المولى عز وجل ونيل رضاه ومحبته.
– اكتساب المهارة في تلاوة القرآن الكريم.
– يسهل عليك مأمورية حفظه وضبطه.
– يمكنك من معرفة المتشابه من آياته تشابها لفظيا.
2- اتخذ يوما في الأسبوع لا تكتب ولا تحفظ فيه شيئا من القرآن، وإنما تراجع فيه ما حفظت خلال ذلك الأسبوع.
3- مراجعة ما حفظت من القرآن ومعاهدته أمر ضروري وحتم لازم، ولا بد منه على مدار الحول لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعَاهَدُوا الْقُرْآنَ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُو أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الإِبِلِ مِنْ عُقُلِهَا» أخرجه البخاري ومسلم.
4- واعلم أن الابتعاد عن المعاصي صغيرها وكبيرها أمر ضروري وشرط لازم لحفظ القرآن الكريم، لقول الله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ البقرة:281.

خاتمة
أحمد الله الذي منَّ علي بتوفيقه وأكرمني بحفظ كتابه، وأعانني على تخطيط هذه الرسالة لطالبي القرآن حتى يكونوا من عباد الله الأخيار، وإن هذا التنظير اقتراح مني لمن لم يجد من يعلمه القرآن.
وإذا تيسر لك أخي المسلم التعلم على يد شيخ -وهذا أفضل وأحسن- فإن الواجب آنذاك طاعته والاستماع إليه واحترامه مع تطبيق تعاليمه وتوجيهاته حتى تحفظ القرآن متصلا بإسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ربه جلَّ وعلا.
هذا وأسأل الله تعالى أن يتقبل مني هذا العمل ويجعله خالصا لوجهه الكريم وينفع به غيري، إنه سميع مجيب الدعاء، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *