الزوج في حياة المسلمة 2/2 حامد الإدريسي

أما المؤمنة المتوكلة على الله، فهي في اطمئنان دائم، لأنها تعيش في كنف الله، وتأكل من رزق الله، قد سلمت أمورها إليه، وعاملت الزوج بما أمرها به ربه وربها، فأطاعته في المعروف، وأرضته إرضاء لربها، فمتى ما انتهت مسؤوليتها تجاه هذا الزوج إما بموت أو فراق، بقيت في رعاية الله، تأكل من رزقه وتنتظر نصيبها مما كتب الله لها قبل أن تولد بآلاف السنين، فلا يهتز لها ركن، ولا يسمع لها صوت أو عويل، بل تبكي بكاء الفطرة البشرية، وتسارع إلى ربها راضية مرضية، لا خوف عليها ولا حزن، فلم تكن يوما ترى رازقا غير الله، ولا معطيا إلا الله، وما هذا الزوج إلا وسيلة واحدة من وسائل الكريم الذي خزائنه ملأى، ويده سحاء الليل والنهار.

إن هذه المرأة نعيم من نعيم الدنيا، فالدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة، وهي منة يمن الله بها على من يشاء من عباده، ويحرمها من لم يأخذها بحقها، ويعاشرها بالمعروف الذي أوجبه الله للنساء، قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً}النساء، فإن هو لم يفعل، يوشك أن يحرم هذه النعمة العظيمة، ويحولها الله إلى من يعرف قدرها ويؤدي حق شكرها، فبالشكر تدوم النعم.
هذه العقيدة الصادقة في الله عز وجل، تجعل المرأة في استقرار دائم، وتجعلها في ركن شديد من ظلم الزوج أو تقصيره، فهي تعيش معه ما أطاع الله فيها، وما رضيت به زوجا لها، وهي في مأمن بقوله تعالى: (وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) الذاريات، وبآية الخلع التي قال الله فيها: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) البقرة، وهي ميزة ميزت ديننا الحنيف عن غيره من الديانات، التي تجعل المرأة في ربقة الزوج إلى الأبد، بينما نجد بريرة ترفض العيش مع مغيث، ولا ترى فيه كفؤا لها، ونجد في ديننا الحنيف، قصة المرأة التي لم ترض بالعيش مع صحابي جليل لأمر لم يرقها ولم تصبر عليه، فعن عائشة قالت: جاءت امرأة رفاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن زوجي طلقني فأبت طلاقي، وإني تزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير وما معه إلا مثل هدبة الثوب، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة، لا، حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته. وكلامها فيه كناية عن عدم رضاها عن زوجها لضعفه في ما يخص النساء، وهذا أمر لا تجده إلا في دين عظيم كديننا، الذي يراعي حاجة الإنسان ويضمن له حياة مطمئنة، مع العلم أن صبر كثير من النساء على ما لم تصبر عليه هذه الصحابية الجليلة، أضر بهن أشد الضرر، وعرضهن لأعظم الفتن، والله المستعان.
إن ثقافتنا الجماهيرية التي نتربى عليها ونتلقاها بالتسليم، في حاجة إلى إعادة النظر في كثير من زواياها، وهي المسؤولة عن التلاعب بمقومات الحياة الزوجية ومعانيها، وهي التي جعلت الطلاق مصيبة وعارا، وآزرت الزوج على زوجته، وجعلت مقصد استمرار العلاقة الزوجية مقصدا ساميا فوق كل المقاصد، وهو ليس كذلك، فالشرع يريد استمرار نوع من العلاقة الزوجية، لا استمرار أي علاقة زوجية وإن لم تجد المرأة فيها حاجتها وسعادتها، وكذلك الأمر بالنسبة للزوج…
إن الطلاق في حد ذاته لا يوصف بمدح أو ذم، فهو وسيلة من الوسائل تأخذ حكم غايتها وظروفها، فمتى ما كان الزوج عقوبة، فالطلاق نعمة، ولعمري إنه أمنية تتمناها الكثير من النساء، لولا ضعف العقيدة، وفساد المجتمع.
إن موقف المرأة المسلمة من الزوج، يجب أن يكون معتدلا، فهو صاحب منة وفضل يجب عليها مكافأته وتأدية حقوقه، لكن الذي وهبها هذا الزوج جعل لها الخيار في هذا الرباط الأسري، ولم يجعلها رهينة ضربة حظ، قد تخطئ وقد تصيب…
فعلى المرأة المسلمة أن تربط حب الزوج بحب الله، وتجعل طاعته من طاعة الله، وتعيش معه ما أدى حق الله، فإن رأت منه غير ذلك، فلتلزم عقيدة التوكل…
ولتعلم أن ربها حي لا يموت…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *