قتلى موازين وقتلى الحج.. لا يستويان مثلا وقفة مع فضولية “نيشان” إبراهيم بيدون

بداية نترحم على قتلى موازين “الخاسرة”، ونسأل الله لهم العفو والغفران، فهم لا يَعْدُون أن يكونوا ضحايا إعلام علماني غرّر بهم في تقديسه للفن والفنانين، وجرهم إلى حيث قتلوا بسبب تلك الدعاية الكبيرة في منابره المرئية والمسموعة والمقروءة لفعاليات المهرجان الكارثة، فهي -أي تلك المنابر- منذ تأسيسها إلى اليوم وبفضل ما تبثه لم تنتج إلا جيلا من الشباب اللاهثين وراء اقتناص المتعة وتضييع الأوقات بين رنة ورقصة، ومشاهدة لفيلم لا يزيد الشاب إلا تهييجا لغرائزه وتمييعا لأخلاقه عبر محطات للتتفيه والتسفيه وليس للتثقيف والترفيه، في غياب تام للتوجيه الديني لمثل هذه التظاهرات التي صارت وطنية عند البعض بمقياس ما تحدثه الطبلة والكمان من اهتزاز للأجسام وتخدير للعقول، وليس بمقياس ما تحدثه من تكوين وتطوير يرجع بالتنمية والازدهار على مجتمع لم يبق مرض في الأمم إلا وأخذ نصيبه من جسمه المتهالك بعد طول اغتراب وبعد عن أسباب قوته.
وإن ترحمنا على هؤلاء الضحايا نابع من اعتقادنا بأن من مات من أهل المعاصي والمستدرجين لها مردّهم إلى الله عز وجل، فهو ربّهم سبحانه إن شاء عذّبهم وإن شاء غفر لهم، ورحمة الله وسعت كل شيء. وحتى لا يقول بنو علمان الذين اتخذوا الصيد في الماء العكر ديدنا لهم بأننا نكفر أو نحكم بالويل والثبور على هؤلاء الضحايا، فمشاركتنا في الموضوع هو من باب الرد على بعض المنابر العلمانية التي أرادت كذبا وتزييفا للحقائق أن تسوي بين قتلى موازين وقتلى بيت الله الحرام، في تغييب تام للموقف الشرعي من ذلك!!
لقد سوّدت فضولية “نيشان” في عددها الأخير (203) مقالا تعيب فيه على المستنكرين لتلك الفاجعة المؤلمة التي أودت بحياة 11 نفسا، مؤاخِذة عليهم كيف يلومون الموتى والقيمين على المهرجان، ومئات الموتى يلقون حتفهم بالطريقة نفسها و للأسباب نفسها في موسم الحج، كما جعلت من يفرق بين قتلى موازين وقتلى الحج يحكم بهواه ويقرأ الأمور بشكل أعوج! مما يمكن اعتباره استهزاء بركن من أركان الحج وطعنا في القرآن الكريم والسنة النبوية، استهزاء ينضاف إلى الملف الأسود لهذه المجلة المشبوهة.
إن المرجعية التي نُحَكِّمها للحكم على القيم هي المرجعية الإسلامية، وهي تفرق بين من مات وهو في طاعة الله ومن مات وهو في معصيته، بخلاف من يتخذ الفكر العلماني مقياسه، فيغشى بصره وبصيرته حب الخلط بين الحق والباطل، فلا يفرق بين من يحيى على نور من ربه مطيعا له وبين من أطاع هواه واتخذ قيمه ودينه ظهريا، فلا مقام للظاهر عندهم حيث حصروا الدين في ممارسات فردية خاصة بالأفراد ولهم الحرية في اختيار دين يحقق لهم إشباع الرغبات النفسية، وهو ما عبرت عنه فضولية “نيشان” بقولها: ولماذا لا يَحسد أحدٌ ضحايا موازين حيت ماتوا ناشطين؟
أية جرأة هاته؟ إن كاتبة هذا الهراء رغم أنها تدرك أن كل المغاربة لا يتمنون مثل هاته الخاتمة إلا أنها تصر على المكابرة و استغلال ما يمكن أن يتلفظ به بعض من لا عقل لهم من عوام الناس في حق ضحايا المهرجان وتتوسل بذلك لتطعن في الدين وتنشر شبهها كما هي عادتها.
إذ لا شك أن الموتة في مهرجان يجمع السكارى والرعاع والكثير من المنحرفين الضائعين، موتة لا يحسد عليها أحد لارتباطها بالموت عقب غناء ورقص ومجون واختلاط، وهي الحقيقة التي أبت فضولية “نيشان” إلا أن تظهر أنها غير مسلَّمة خصوصا وأن هؤلاء الناس -نسأل الله لهم الرحمة- ذهبوا للترويح عن أنفسهم ملبين نداء الستاتي وكمانه متناسين في غمرة الظفر بمكان للفرجة انعدام الظروف الشرعية والأمنية لحضورهم، فالدعاية الإعلامية كانت أقوى من أن ينتبهوا لهذه الأمور..
وتذكيرا لفضولية “نيشان” إن كانت تعلم أو لا تعلم، نقول:
شتان بين الموت ملبيا لله محرما في أطهر بقاع الأرض حيث أريج الطاعة ينبعث من جنبات مكة المكرمة، وحيث النفوس توجهت لخالقها تعظيما له وإقرارا بالعبودية بين يديه، نفوس تلهث بحب بارئها: طاهرة أفئدتها، مهللة مكبرة مسبحة ألسنتها، تمجد الرب سبحانه في مظهر يحرك النفوس الظمأى للارتواء بماء الإيمان وشراب الإحسان..، وبين من توجه لمنصة من منصات الموازين الخاسرة، فمات دهسا تحت أقدام الراقصات والمخمورين، وسط شباب خدّرته ألحان ماجنة بعدما استهلك كل خمور العاصمة، واستفزته كلمات ممجوجة تحرك النفوس لإشباع رغبتها من قبلة وعناق ورقص وجنس..
جماهير يموج بعضها في بعض كقطع الليل المظلم: فتيات بحب المغني تعلقن، وشباب تحلل من كل دين وخلق وخرق كل شرع وقانون في تلك الليلة الكارثة التي فقدنا فيها أولئك الضحايا..
فموتى الحج نجزم بحُسن خاتمتهم فقد جاء في الأثر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حق من مات في الحج بعدما وقصته ناقته: “اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً” رواه البخاري ومسلم، وقال عليه الصلاة والسلام: “يبعث كل عبد على ما مات عليه” رواه مسلم، بينما موتى موازين قد كانت خاتمتهم على الحالة التي وصفناها، ماتوا في ذلك الجو المشحون الذي لا يمكن لأحد أن يصفه بالصلاح والحسن، لكن فضولية “نيشان” تجعل الحديث عن النية أمرا يشبه مقارنة بين الكفار والمؤمنين، وهذا من جهلها بالتفريق بين أهل المعاصي والكفار كما هو مقرر في عقيدة الإسلام.
إننا عندما نتحدث عن ضحايا المهرجان أو عن الطريقة التي ماتوا بها، نتحدث عنهم لا لنسخر منهم أو نشمت فيهم بل لنترحم عليهم ونسأل الله أن يتجاوز عنهم، فهم مسلمون مثلنا وقلوبنا يعتصرها الألم على الطريقة التي ماتوا عليها. لكن لما أصبحت دماؤهم وأرواحهم محل مزايدة علمانية رخيصة، لنشر أفكار وتصورات تتنافى مع ديننا جميعا، أحببت أن أشارك بدوري في كشف هذا العبث العلماني، وهذا الخبث اللاديني الذي لا يهمه شيء سوى أن يدعو إلى إيديولوجيته المادية العفنة، كما أني شخصيا أعتبر الذين ماتوا في المهرجان -رحمهم الله- ضحايا ما تروجه مثل هذه المجلة من مفاهيم وصور وشبهات.
إن فضولية “نيشان” تستحسن الموت بعد سهرة أو ليلة مهرجان لأنها تحقق النشاط، وهو ما يعتبر عند العلمانيين من أصول فكرهم في العيش من أجل المتعة واللذة، فقد جاء على لسان غير واحد منهم لما سئل عن الحال التي يحب أن يموت عليها، قوله: “أحب أن أموت بين أحضان حبيبتي”، فشتان بين من يسأل الله حسن الخاتمة، وبين من لا يفرق بين طاعة ومعصية؟
إن استهتار العلمانيين بالقيم الدينية للمغاربة في مقابل نشر ثقافة التمييع التي تعتبر أساس مشاريعهم قد بلغ مداه، وصار معه واجبا تدخل العلماء بقوة، صيانة للدين ومنعا لأي تصرف طائش يمكن أن يترتب عن هذا التطرف اللاديني الذي يستفز ضعاف العقول للقيام برد فعل أهوج، لن يزيد الأمر إلا تعقيدا، يستغله العلمانيون في نشر قيمهم البهيمية التي لا تعترف للدين بحقه في تنظيم شؤون الناس وتوجيه ميولاتهم، بل تسلخ القيم الدينية من حقيقتها الربانية، حتى يستوي التعلق بالأرض مع التعلق بالسماء..
فمن يعفينا من سماع ما يخرج من هذه الأفواه النتنة، المتجرئة على ديننا وقيمنا؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *