سلسلة شرح أسماء الله الحسنى اسم الله تعالى البصير ناصر عبد الغفور

ذم الله تعالى لمن اتخذ آلهة لا تتصف بصفة البصر:

لا ريب أن البصر من صفات الكمال، والذي يبصر أكمل من الذي لا يبصر، قال تعالى: “قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ”([1])-الأنعام50-. وقال تعالى: “مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ”-هود24-.

وفقدان البصر من سمات الضعف وصفات النقص، لذلك عاب الله تعالى على من اتخذ من دونه آلة فاقدة لصفة البصر وذمهم غاية الذم ونعى عليهم فعلهم الشنيع حيث تركوا عبادة البصير السميع وأقبلوا على أوثان وطواغيت لا تبصر شيئا:

– قال الله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ”-الأعراف:194-195-:

“وهذا من نوع التحدي للمشركين العابدين للأوثان، يقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} أي: لا فرق بينكم وبينهم، فكلكم عبيد للّه مملوكون، فإن كنتم كما تزعمون صادقين في أنها تستحق من العبادة شيئا {فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ} فإن استجابوا لكم وحصلوا مطلوبكم، وإلا تبين أنكم كاذبون في هذه الدعوى، مفترون على اللّه أعظم الفرية، وهذا لا يحتاج إلى التبيين فيه، فإنكم إذا نظرتم إليها وجدتم صورتها دالة على أنه ليس لديها من النفع شيء، فليس لها أرجل تمشي بها، ولا أيد تبطش بها، ولا أعين تبصر بها، ولا آذان تسمع بها، فهي عادمة لجميع الآلات والقوى الموجودة في الإنسان.

فإذا كانت لا تجيبكم إذا دعوتموها، وهي عباد أمثالكم، بل أنتم أكمل منها وأقوى على كثير من الأشياء، فلأي شيء عبدتموها”([2]). وقال الحافظ: “هذا إنكار من الله على المشركين الذين عبدوا مع الله غيره، من الأنداد والأصنام والأوثان، وهي مخلوقة لله مربوبة مصنوعة، لا تملك شيئا من الأمر، ولا تضر ولا تنفع، ولا تنتصر لعابديها، بل هي جماد لا تتحرك ولا تسمع ولا تبصر، وعابدوها أكمل منها بسمعهم وبصرهم وبطشهم”([3]).

———————————————-

([1] لا ريب أن هذه الآية تدل دلالة قاطعة على أمر واقع مشاهد، ألا وهو أن البصير أكمل من الأعمى وأنهما لا يستويان، وأن البصر من صفات الكمال، لكن هذا لا يمنع القول أن الآية أعم من هذا، وقد  تنوعت أقوال المفسرين في معنى البصير والأعمى هنا: “قال قتادة: الكافر والمؤمن، وقال مجاهد: الضال والمهتدي، وقيل: الجاهل والعالم” -تفسير البغوي:3/145-. ولا مانع من حمل الآية على كل هذه المعاني لعدم تضادها وتعارضها. والله أعلم.
([2] ) تيسير الرحمن:312.
([3] ) تفسير القرآن العظيم:3/529.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *