الإنســان والمــاء (من يأتي للإنسان بالماء؟) عبد القادر دغوتي

الإنسان أحد تلك الكائنات التي تتوقف حياتها على الماء، والتي لا تنفك على طلب الماء.. فمن ذا الذي يأتيه بالماء؟ هل يصنعه؟ وبأي شيء سيصنعه؟ هل سيقوم بتحلية ماء البحر؟ وكم سيكلفه ذلك، وكم ستكون “فاتورته”؟
أيها الإنسان، من الذي سيأتيك بالماء الذي هو حياتك؟ هذا السؤال ينبغي أن يجيب عليه الملحدون، الذين يرجعون كل حركة أو سكون في الكون إلى الطبيعة.. ويستبعدون أن يكون شيء من ذلك بأمر الله تعالى، فالزلازل بأمر الطبيعة، والجفاف بأمر الطبيعة، والرياح بأمر الطبيعة، والفيضانات بأمر الطبيعة…
فإذا أردنا الماء فكيف نطلب الطبيعة؟ وماهي أصلا تلك الطبيعة التي تفعل كل هذا؟ فهل نطلب الماء من الجبال أم من السماء أم من الإنسان، أم ماذا؟
إن الذي يقدر على أن يأتينا بالماء هو خالقه، الذي بيده أمر كل شيء، الذي إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، الذي يقدر على أن ينزل الماء من السماء، والذي يقدر على أن يخرجه من باطن الأرض، والذي يقدر أن يفجره من الحجر الأصم..
لذلك فإن الأنبياء والعقلاء ما طلبوه إلا من الخالق الجليل سبحانه وتعالى:
ـ طلبته هاجر عليها السلام، لما تركها زوجُها نبي الله وخليله إبراهيم بأمر من الله، بمكة حيث كانت حينئذ وادا غير ذي زرع، وقفرا وصحراء قاحلة خالية موحشة لا زرع فيها ولا ضرع ولا إنسان.. كما قال سبحانه على لسان خليله إبراهيم: “ربنا إني أسكنتُ من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم، ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون” [إبراهيم37]؛ فاستجاب الله دعوة خليله؛ ففجر لهاجر ولولدها الرضيع إسماعيل عليه السلام عينا عظيمة لا تزال تفيض خيرا إلى يومنا هذا، زمزم.
فاشتد فرح أم إسماعيل به فشربت منه و أرضعت ولدها وحمدت الله على هذه النعمة الكبيرة، ثم وفد الناس عليهما لما علموا بوجود الماء هنالك، وعمروا البلدة بعدما كانت خالية من مظاهر الحياة.
ـ وفجره الله تعالى من الأرض لمريم عليها السلام لما ألجأها المخاض إلى جذع النخلة وولدت المسيح عليه السلام، قال الكريم سبحانه: “فحملته فانتبذت به مكانا قصيا، فأجاءها المخاضُ إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا، فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا، وهُزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا، فكلي واشربي وقري عينا” [مريم22-26].
عن البراء بن عازب أنه قال في قوله تعالى: “سريا”: الجدول . أي جدول الماء. وعن ابن عباس: النهر. [تفسير القرآن العظيم،ج5،ص132].
– طلبه موسى عليه السلام إذ استسقاه قومه وهم في الصحراء، فقال له ربه الكريم “اضرب بعصاك الحجر” “فانفجرت منه اثنت عشرة عينا”. قال جل وعلا: “وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، قد علم كل أنس مشربهم ، كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الارض مفسدين” [البقرة60]. فقد فجر الله تعالى لهم اثنتا عشرة عينا بعدد قبائلهم، حتى لا يزاحم بعضهم بعضا…
ـ طلبه محمد صلى الله عليه وسلم لما استسقاه صحابته الكرام، فرفع يديه وهو على المنبر يخطب الجمعة، فدعا الله عز وجل؛ فاستجاب له، فظل الغيث ينزل أسبوعا كاملا..
ففي الحديث الذي رواه البخاري1014 ومسلم897 عن أنس أن رجلا دخل المسجد يوم الجمعة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل [أي لا يجدون ما يحملونه إلى السوق]، فادع الله يغيثنا. فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، ثم قال: [اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا] قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب، و لا قزعة [السحاب المفترق]، وما بيننا وبين سلْع [اسم جبل] من بيتٍ ولا دارٍ، فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت، فلا والله، ما رأينا الشمس سبتا [أسبوعا]، ثم دخل رجلٌ من ذلك الباب في الجمعة المقبلة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبله قائما، فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها عنا. فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، ثم قال: “اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام [ما ارتفع من الارض] والظراب [الروابي]، وبطون الأودية، ومنابت الشجر”. فأقلعت [أمسكت عن المطر]، وخرجنا نمشي في الشمس”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *