بنو علمان وحرب المصطلحات الحسن العسال

“يؤكد” بعض بني علمان، على الأقل المعتدلين منهم، ألا أحد يزايد على أنهم مسلمون؛ لكن عند التمحيص لا نرى لهم من الإسلام إلا هذه الكلمة، لأنه لا يعقل أن يكون المرء مسلما ولا يدعو إلى تعاليم الإسلام، ويعمل جاهدا على نشرها، وينافح عنها، محتسبا ذلك عند الله تعالى.
بل إن واقع بني علمان لا ينم عن شيء من هذا، إن لم نقل النقيض تماما؛ حيث لا يتركون مصطلحا إسلاميا إلا وغيروه أو سفهوه وانتقصوا منه، وقللوا من قيمته، لسببين:
أولهما: نزع الحمولة الإسلامية عنه، كي لا يوضع في ميزان الشرع، ويُعْلم هل هو حلال أم حرام.
وثانيهما: هو عدم الكشف لعموم الناس أن ما يطرحونه علماني مقابل المصطلحات الإسلامية التي يمجونها.
ذلك لأنهم على الرغم من أنهم ملأوا الدنيا زعيقا بأن العلمانية هي الحل، إلا أنهم في ذات الآن لا يستطيعون إظهار حقيقتها لعموم الناس. عكس المسلم الحق الذي يعتز بإسلامه وبتعاليمه ومصطلحاته، ولا يخجل من أن ينشرها على الملأ، وينافح عنها في كل زمان ومكان، دون أن ينهزم روحيا أو فكريا، أمام أعداء الإسلام وكونيتهم المكذوبة.
وفي نفس السياق نجد بني علمان يرتعشون مثلا كلما ذكر مصطلح الأبناك الإسلامية، التي يسمونها “التمويلات المصرفية البديلة”، بدعوى أن الاقتصاد ليس فيه اقتصاد إسلامي وآخر مسيحي، وثالث بوذي..!!
وهذا جهل مركب منهم، لسبب بسيط هو أنه لا يوجد دين يُتَعَبَّدُ به، وهو في نفس الوقت منهج حياة إلا الإسلام، لذلك تصطبغ ألوان الحياة بصبغته الإسلامية، فهناك الاقتصاد الإسلامي، والقضاء الإسلامي، والسياسة الشرعية، والطب النبوي، والتربية الإسلامية، والشهيد، والمجاهد، والخلافة الإسلامية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونظام الحسبة، والشورى.. وهلم جرا.
ومن المصطلحات التي أقام عليها بنو علمان الدنيا، ولم يقعدوها، خصوصا في تونس، مصطلح الخلافة الإسلامية، لأنهم لا يبغون عن الديمقراطية بديلا. ولا أظن مسلما يرى أن في الإمكان أبدع ولا أعدل من الخلافة الإسلامية. والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: “تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله -تعالى-، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله -تعالى-، ثم تكون ملكا عاضا، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله -تعالى-، ثم تكون ملكا جبرية فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها الله -تعالى-، ثم تكون خلافة على منهاج نبوة. ثم سكت..”1.
وهذا يجرنا إلى مصطلح إسلامي آخر، لا يلقي إليه بنو علمان بالا، ولا يهتمون به، إن لم يكن عائقا؟ أمام ما يؤمنون به من أفكار كونية، ألا وهو مصطلح السنة النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، لأنهم يقدمون العقل على النص.
وحتى عندما حث الأستاذ عبد الإله بن كيران رئيس الحكومة، وزراء حكومته على التوكل على الله، وعدم حمل هم مستقبل الأبناء، انبرت إحدى الاشتراكيات، في برنامج تلفزيوني، للرد عليه، مؤكدة على رفضها لهذا الخطاب الاتكالي، ليصدق فيها قول الشاعر:
فحسبكـم هـذا التفـاوت بيننـا *** وكل إناء بالـذي فيـه ينضـح
فكلما “تجرأ”، حسب زعمهم، أحد الغيورين على الإسلام على الكلام من منطلق إسلامي، أصابت بني علمان هستيريا ما بعدها هستيريا، ومع ذلك.. فلا أحد يزايد على أنهم مسلمون!!!
ونحن نقول: مادمتم على ثقة كبيرة بالمصطلحات “الكونية”، فلماذا تصادرون حق خصومكم في أن تكون لهم مصطلحات خاصة بهم؟ لماذا تفرضون عليهم تسمية الأشياء كما تسمونها أنتم؟ وتحاولون إقناع الناس بأن ما تؤمنون به لا يتعارض مع الإسلام.
لماذا لا تنهجون الشفافية بينكم وبين الناس، بين ما تؤمون به، وبين ما “تفصحون” به للناس؟
لماذا لا تخرجون من الشرنقة الفكرية التي وضعتم أنفسكم فيها، وتكشفون “للجماهير الشعبية” عن حقيقة أفكاركم، وما تريدون بهذا البلد المسلم من خراب عقدي وأخلاقي، تسمونه حداثيا، تمويها وتقية؟
لأن المضحك المبكي هو أنكم، عند نشركم لمصطلحاتكم “الكونية”، تتحدثون عن الإسلام “الوسطي”، والإسلام “المعتدل”، موهمين المخاطب أن ما تتبنونه هو من هذا الباب، أي من الإسلام الوسطي المعتدل! هكذا إجمالا وتعمية للمقصود، وتورية لنواياكم، دون تفصيل، ودون وضع النقط على الحروف.
لهذا نقول على سبيل المثال: هل مصطلح الأم العازبة مصطلح إسلامي؟ أم هو على العكس تماما مصطلح مناقض لتعاليم الإسلام؟ مصطلح “كوني” لا يمت إلى الإسلام بصلة، مثل أخيه مصطلح عاملات الجنس عوض الباغيات.
إذن، لماذا هذه الحرب الشعواء على الإسلام، وعلى كل الجبهات، ومع ذلك لا أحد يزايد على “إسلام بني علمان”، أعطونا دليلا واحدا على صدق دعواكم، لأن من يحب شيئا لا يحاربه!
وأنتم تكرهون كل ما يمت للإسلام بصلة، ومع ذلك تدّعون وصلا به. وفي المقابل، تحبون كل ما يخالف الإسلام وتدْعون إليه، وتنفقون المال والجهد والوقت لنشره، مثل مصطلح الأمهات العازبات الآنف الذكر، اللواتي سماهن الإسلام الزانيات، ،وعليهن أن يستغفرن الله، من فاحشة الزنى.
أما بنات علمان والحداثيات[2]، فعقابهن عند الله شديد، لأنهن يردن هدم الإسلام من خلال هدم مفاهيمه، والله متم نوره ولو كرهت الحداثيات. فغرضهن هو إفراغ مفهوم الزانيات من الحمولة الشرعية التي يتميز بها، لأن له وقعا في نفوس المسلمين، كما له ما يتبعه من حرمة، وإحساس بالذنب، وتوبة.
أما مفهوم الأمهات العازبات، فيقتضي رعايتهن دون محاسبتهن، أو حتى توبيخهن على فاحشتهن، لأن هناك -زعمن- أسبابا أدت بهن إلى هذا الفعل. وكأني بهن أصبحن يؤمن بعقيدة الجبر، وانتفاء المسؤولية عن الفاعل. والله تعالى يقول في كتابه العزيز: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُم َلا تَعلَمُونَ﴾.
إن حرب المصطلحات هذه حرب ثقافية هوياتية، تجعل من المتصارعين فيها، ينقسمون إلى فسطاطين: فسطاط الإسلام، وفسطاط الكونية، التي لا تعني في حقيقتها إلا الغربية. لأن كل القيم والمصطلحات المنتشرة في الساحة العالمية هي قيم ومصطلحات مفروضة من الغرب، باسم الكونية. فلن تجد أبدا قيمة أو مصطلحا خاصا بالإسلام أو حتى بالشرق الآسيوي، أو بأمريكا اللاتيتنية، لا يوافق هوى الغرب، قد انتشر، وهيئت له الدعاية الجهنمية لفرضه.
————————————-
[1] حسنه الألباني رحمه الله في مشكاة المصابيح.
[2] لا أكاد أميز بين بني علمان وبني حداثة، لأنهم وجهان لعملة واحدة. فالعلمانية في السياسة، والحداثة في الفكر؛ كلتاهما تصب في الدعوة إلى فصل الإسلام عن الحياة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *