وسواس النفس ووسواس الشيطان

الوسواس الذي يصيب الإنسان ليس كله على درجة واحدة، من حيث المرضية، ومن حيث المصدر والأثر.
فالوسواس الذي يدعو الإنسان لسماع المحرمات أو رؤيتها أو اقتراف الفواحش وتزيينها له: له ثلاثة مصادر: النفس -وهي الأمَّارة بالسوء-، وشياطين الجن، وشياطين الإنس.
قال تعالى -في بيان المصدر الأول وهي النفس-: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) ق/16.
وقال تعالى -في بيان المصدر الثاني وهم شياطين الجن-: (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشّيْطَانُ قَالَ يَآدَمُ هَلْ أَدُلّكَ عَلَىَ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاّ يَبْلَىَ) طه/120.
وقال تعالى -في بيان المصدر الثالث وهم شياطين الإنس-: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ النّاسِ، مَلِكِ النّاسِ، إِلَهِ النّاسِ، مِن شَرّ الْوَسْوَاسِ الْخَنّاسِ، الّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النّاسِ، مِنَ الْجِنّةِ وَالنّاسِ).
أي أن هذه الوساوس تكون من الجن ومن بني آدم.
وما يعرض للمسلم في وضوئه وصلاته فلا يدري كم توضأ ولا كم صلى: فمصدره من الشيطان، فإن استعاذ بالله من الشيطان كفاه الله إياه، وإن استسلم له واستجاب لأوامره تحكَّم فيه الشيطان، وتحول من وسوسة عارضة إلى مرضٍ مهلك، وهو ما يسمى “الوسواس القهري”.
وهذه الوساوس القهرية -كما يقول أحد المختصين- “علة مرضية تصيب بعض الناس كما تصيبهم أية أمراض أخرى، وهي أفكار أو حركات أو خواطر أو نزعات متكررة ذات طابع بغيض يرفضها الفرد عادة ويسعى في مقاومتها، كما يدرك أيضاً بأنها خاطئة ولا معنى لها، لكن هناك ما يدفعه إليها دفعاً، ويفشل في أغلب الأحيان في مقاومتها، وتختلف شدة هذه الوساوس حتى إنها لتبدو -لغير المتخصصين- عند زيادة شدتها وكأن المريض مقتنع بها تماماً، ويعتري هذا النوع من الوساوس الإنسان أيضاً في عباداته وكذلك في شؤون حياته الدنيوية”.
فوسوسة الشيطان تزول بالاستعاذة.
ووسوسة النفس تزل أيضاً بالاستعاذة، وبتقوية الصلة بين العبد وربه بفعل الطاعات وترك المنكرات.
وأما الوسواس القهري فهو حالة مرضية كما سبق.
وفي الفرق بين وسوسة الشيطان ووسوسة النفس معنى لطيف ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن بعض العلماء، قال: وقد ذكر أبو حازم في الفرق بين وسوسة النفس والشيطان، فقال: “ما كرهتْه نفسُك لنفسِك فهو من الشيطان فاستعذ بالله منه، وما أحبَّته نفسُك لنفسِك فهو من نفسك فانْهَها عنه” (مجموع الفتاوى 17/529-530).
أي أن النفس غالباً توسوس فيما يتعلق بالشهوات التي يرغب فيها الناس عادةً.
وذكر بعض العلماء فرقاً آخر مهمّاً، وهو أن وسوسة الشيطان هي بتزيين المعصية حتى يقع فيها المسلم فإن عجز الشيطان انتقل إلى معصية أخرى، فإن عجز فإلى ثالثة وهكذا، فهو لا يهمه الوقوع في معصية معينة بقدر ما يهمه أن يعصي هذا المسلم ربَّه، يستوي في هذا فعل المنهي عنه وترك الواجب، فكلها معاصٍ، وأما وسوسة النفس فهي التي تحث صاحبها على معصية بعينها، تحثه عليها وتكرر الطلب فيها.
والمسلم لا يؤاخذ على وساوس النفس والشيطان، ما لم يتكلم بها أو يعمل بها.
وهو مأمور بمدافعتها، فإذا ما تهاون في مدافعتها واسترسل معها فإنه قد يؤاخذ على هذا التهاون.
فقد أُمر بعدم الالتفات لوساوس الشياطين، وأن يبني على الأقل في الصلاة عند الشك فيها، وأُمر بالاستعاذة من الشيطان والنفث عن يساره ثلاثاً إذا عرضت له وساوس الشيطان في الصلاة، وأُمر بمصاحبة الأخيار والابتعاد عن الأشرار من الناس، فمن فرَّط في شيء من هذا فوقع في حبائل نفسه الأمارة بالسوء أو الاستجابة لشياطين الجن والإنس فهو مؤاخذ.
وأما الوسواس القهري: فهو مرض -كما سبق- فلا يضير المسلم، ولا يؤاخذه الله عليه ؛ لأنه خارج عن إرادته، قال الله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا) الطلاق/7. وقال تعالى: (فّاتَّقوا اللّهّ مّا استّطّعتم) التغابن/16. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ ) رواه البخاري (4968) ومسلم (127).
وعلى من ابتلي بمثل هذا الوسواس أن يداوم على قراءة القرآن والأذكار الشرعية صباحا ومساء، وعليه أن يقوي إيمانه بالطاعات والبعد عن المنكرات، كما عليه أن يشتغل بطلب العلم، فإن الشيطان إن تمكن من العابد فلن يتمكن من العالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *