الحق لم يخنه أمين قط ولكن ائتمن عليه خائن فخان عبد المغيث موحد

…ولأن إسلامنا العظيم لم يؤسس عراه على رهبانية ولا كهنوتية، ولأن الحق لا يعرف بالرجال ولكن معرفة الحق سابقة يلزم منها معرفة أهله، ولأن العلم كان نقطة فلما أدلت رؤوس الجهالة بمغارف الضلالة انتشرت الفتنة، وصارت النقطة بحرا لجيا تغشاه أمواج الشبهات، وتسوده ظلمات القول على الله بغير علم..

في ظل الأيام الخداعات يصير الحق غريبا مستوحشا، ومهما بلغت درجة غربته، فإن غيرة أهله عنه وتعاطيهم لقضية خدمته والذود عن حياضه، لا تعدو أن تتجاوز رجاء تقريره، وأمنية إماطة الأذى الذي شاب بياض طريقه، وعبث برونق سبيله، وهي على أي قضية قد تستوجب جهودا دائبة مضطرة، وعزائم صلبة متجذرة، منضبطة كل الانضباط بالوسائل التي قررها الشرع بعيدا عن عصبية الضرع، وأثبتها النقل بعيدا عن طاغوتية العقل، وسائل كانت وستبقى في إطار تعاطيها مع نصرة الحق بين القوة والوهن، توقيفية ثابتة لا يدفعها صوب الإفراط كرُّ الوضاعين، ولا يجرها صوب التفريط اعتساف الكذابين، فالحق كان وسيزال واحدا لا يتعدد ظهوره، يسير الحصول، وغلبة أهله سنة شرعية لن تجد من دونها موئلا.

ولأن إسلامنا العظيم لم يؤسس عراه على رهبانية ولا كهنوتية، ولأن الحق لا يعرف بالرجال ولكن معرفة الحق سابقة يلزم منها معرفة أهله، ولأن العلم كان نقطة فلما أدلت رؤوس الجهالة بمغارف الضلالة انتشرت الفتنة، وصارت النقطة بحرا لجيا تغشاه أمواج الشبهات، وتسوده ظلمات القول على الله بغير علم..
ولأن العصمة دفنت مع صاحب الرسالة العصماء، ولأنه لا أحد يمكنه أن يدعي في رأيه الصواب المطلق إلا صاحب الروضة العطرة، فالحق كما قيل يدور معه حيث دار، فلا مرية بعد هذا أن نقرر أن الكل بعده خطّاء وخير الخطائين التوابون، وإقرارنا بهذا يتطلب أول ما يتطلب ألا نسارع للتشهير نكاية بزلة العالم ونكسة المتعالم، لنسقي شجرة الأنا المتجذرة في جبانة أنفسنا بأوحال من ضل السبيل، وحاد عن المنهج النبيل، أو ننسى ونحن بفضل الله نتعاطى إلى رأب الصدع، أن هذا واجب شرعي يقتضيه امتياز الانتساب، وتوجبه عينية فرض المرابطة عند تخوم الحق، أجرا مع كل زحف، ووزرا مع كل تولي..
وألا ننسى أن دعوتنا إلى هذا الحق لا ينبغي أن يشوبها إكراه النفوس على التزين بزينة، فأمانة التبليغ عن الله ورسوله تدور رحاها على بيان الرشد، وتمييزه عن الغي، مقتدين في ذلك بأخشانا لله، حذو القذة بالقذة، غير مغالين بتكليف النفوس ما لا تطيق، أو مقصرين بحجب بعض الحق وتغييب بعض أحكامه، رغبة منا في حصول محمدة دخول الناس في دين الله، دخول أفواج الكم، وليس الكلام هنا جاء متفلتا من عقاله، فهذا سيد الخلق يخاطبه رب العزة قائلا: “قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً”.
فإذا كان هذا شأن محمد عليه الصلاة والسلام مع نفسه، فهو من باب أولى مع غيره، وإذا كان الأمر كذلك، فهو من باب أولى ثم أولى شأننا مع قلوب الناس، ومسألة اعتبار مصالحهم غير المنضبطة مع مكرهة الشرع المحمودة فلا أحد يستطيع أن يزايد على أن نبينا قد أرسله ربنا الرحيم رحمة للعالمين، ولكن هذه الرحمة البالغة في الرقة كمال الغاية، لم تكن في يوم من أيام الرسالة حجر عثرة أمام استقامة خط الدعوة إلى الله، أو عامل إقعاد بين الناس وصراط الله المستقيم، وانظر إلى وصية نبينا إلى شباب الأمة، والحالة عدم تحقق نصاب الباءة، وتحقيقا للوجاءة المطلوبة عقلا ونقلا، يحثهم على الصيام كبديل عن المقذور الذي لا نرضى أن تتعرض له أعراض أخواتنا وأمهاتنا، وبالتالي بنات المسلمين كما جاء في جواب الحكمة على لسان الرحمة المهداة، لذلك الشاب الذي جاءه طالبا إذن رب السماء في فعل الفحشاء.
ثم ارجع البصر وانظر إلى واحد ممن أخرجتهم مدرسة تفريخ “العلماء” وقد غادر منبر رسول الله إلى منبر لَيِّ الكلام، وهو يُوَقِّع نيابة عن الله ورسوله بجواز مسافحة اليد، ومضاجعة المرأة البلاستيكية سليلة مصانع حضارة الصقيع، بل إن سعادته الحزينة لا يرى ضيرا ولا بأسا أن تستعمل المرأةُ وفي حضور بعلها عضوا تناسليا اصطناعيا إذا كان ذلك يصب في اتجاه الاستمتاع الذي يحقق غاية التحصين، يرجع إليك البصر خاسئا وهو حسير.
ورحمة منا بهذا الورق الخاشع المتصدع، رغَبا عن ثقل هذا الكلام، ورهَبا من عفونة هذا الابتسار، نسأل متعجلين حبل النجاة وطوق الثبات، هذا المُوقِّع بالتفويض غير المرخص، أأنت أرحم بالشباب من الله ورسوله؟! ونرد متعجلين عينا وتفويضا، بل الله ورسوله أرحم، ثم نسأل أأنت أعلم بمصلحة العباد من رب العباد؟! ونتعجل الجواب عينا ونيابة بل الله أعلم بمصالح عباده.
وإذا كان الحال هكذا تسليما وانقيادا، فأين غاب قول نبينا سلفا، وقد وصف للشباب من صيدليته الحضارية ترياق الوجاءة؟ وسمّى لهم الدواء حصرا وقصرا، وقال: “عليكم بالصيام، فإنه أغض للبصر وأحفظ للفرج”، ورفعا للملام عن الأئمة الأعلام، وقد غاب عن الصديق ميراث الجدة، نقول: هذا حديث نبوي ربما لم يصلك! مع أنه جاب بين طيات دردشتك ذكر هذا الحديث مسبوقا بقولك: (والحديث في هذا الباب واضح)، لكنك ألحقته بالنسخ المذموم، فأين يا ترى غاب عنك قول الباري عز وجل: “وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ”؟ جنبني وإياك أن نكون من العادين، وأنعم علينا بشرب ماء زمزم فإنه لما شرب له.
ثم أما كان يغنيك استبراءا للدين والعرض، ومجانبة السّن في الإسلام السنة السيئة التي على صاحبها وزرها ووزر من عمل بها، أن تنصح بالصلاة في وقتها، فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، وصيام النافلة فإنه جُنة ووقاية، والنصح لأولياء الأمور بعدم المغالاة في المهور، والإطناب في مظاهر العسر التي ترضي الشيطان، وتخالف شريعة سيد ولد عدنان، وأن تشنف آذان محاورك، وأبصار قراء الجريدة التي استضافتك، بآيات من الذكر الحكيم مثالا لا حصرا: “وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى”، وحصرا لا مثالا: “وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ”، وهذا هو العرض حصرا وقصرا، وما دونه فرخص من جيوب المفلسين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *