من سنن النصر في القرآن حسن فاضلي أبو الفضل

ومن القوانين والسنن الإلهية التي نفهمها على ضوء الآيات التي سبق ذكرها:
– سنة هلاك الأمم بالظلم والإجحاف: فإذا ما فشا الظلم وعدم إقامة العدل في أمة من الأمم، فقد تحققت فيها أسباب الهلاك وحقت عليها سنة الله عز وجل بالهلاك ووقعت عليها القاصمة[1]، ولذلك قال تعالى: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ) (الأنبياء:11)، فبين سبحانه أن الظلم الحاصل من الجماعات موجب للهلاك، والآية في سياق الإخبار”أي قصمنا كثير من القرى التي كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين”[2].
هذه ليست كل السنن في القرآن ولكن بعضها مما له قوة الارتباط بزماننا هذا، ولقد ذكرت محنة (أحد) حتى يعلم أن غيرها دونها في الألم والشدة، مع بقاء نفس الحكم والغايات إلى قيام الساعة وهي في قوله سبحانه: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ) (آل عمران:179).
ومن أدق ما قرأت في بيان هذه الحكم كلام ابن القيم رحمه الله بعد أن عنون بـ: (فصل في ذكر بعض الحكم والغايات المحمودة التي كانت في واقعة أحد)، قال: “ومنها أن يتميز المؤمن الصادق من المنافق الكاذب، فإن المسلمين لما أظهرهم الله على أعدائهم يوم بدر وطار لهم الصيت، دخل معهم في الإسلام ظاهرا من ليس معهم فيه باطنا، فاقتضت حكمة الله عز وجل أن سبب لعباده محنة ميزت المؤمن والمنافق، فأطلع المؤمنون رؤوسهم في هذه الغزوة وتكلموا بما كانوا يكتمونه، وظهرت مخبآتهم، وعاد تلويحهم تصريحا، وانقسم الناس إلى كافر ومؤمن ومنافق انقساما ظاهرا، وعرف المؤمنون أن لهم عدوا من نفس دورهم، وهو معهم لا يفارقونهم، فاستعدوا لهم وتحرزوا منهم”[3].
وما أصوب وما أحكم هذا الكلام، وكأنه قيل في تفسير أحداث هذا الزمان وفي تعليل محنة المسلمين في كل مكان، وهي تمييز المؤمن الصادق من المنافق الكاذب، وقد كان، فامتاز هؤلاء من هؤلاء، وهي أيضا معرفة المؤمنين أن لهم عدوا من دارهم لا يفارقهم، وقد كان. فقد نطق العدو الصامت -قبل- بعداوته وأعلن مساندته للإجرام وللمجرمين بالإعلام والسياسة والسلاح.
هذا ومن قوانين النصر والهزيمة في القرآن الكريم ما يلي:
‌أ- النصر ابتداء وانتهاء بيد الله عز وجل، وليس ملكا لأحد من الخلق يهبه الله لمن يشاء ويصرفه عمن يشاء؛ مثله مثل الرزق والأجل والعمل، قال سبحانه: (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (الأنفال:10).
‌ب- حين يقدر الله تعالى النصر فلن تستطيع قوى الأرض كلها الحيلولة دونه، وحين يقدر الهزيمة فلن تستطيع قوى الأرض أن تحول بينه وبين الأمة قال تعالى: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (آل عمران:160)
‌ج- هذا النصر له قوانين ونواميس ثابتة عند الله عز وجل، نحن بحاجة إلى فقهها، فلابد أن تكون الراية خالصة لله سبحانه عند الذين يمثلون جنده، قال تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد:7) ونصر الله في الاستجابة له والاستقامة على منهجهم والجهاد في سبيله.
‌د- وحدة الصف ووحدة الكلمة أساس في النصر، وتفريق الكلمة والاختلاف في الرأي دمار وهزيمة، قال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال:46)[4].
فبين تبارك وتعالى أن الاختلاف والتنازع من مقتضيات الفشل والهزيمة، كما أشار عز وجل إلى أن توحيد الكلمة والاجتماع عليها يحتاج إلى صبر، كل ذلك يكون بعد طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يتصور إذن اجتماع الكلمة من غير صبر، ولا هما معا من غير طاعة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
وبعد هذا فإن ما وقع وما يقع الآن وما سيقع في بلاد المسلمين، لا يمكن فهمه ولا تفسيره ولا علاجه ولا إدراك الحكمة منه إلا بالرجوع إلى القرآن الكريم وسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام. فإنما هذا فرع من ذاك الذي كان في زمنه عليه الصلاة والسلام وتبع له، وسنن النصر عند الله لا تختلف، وإلا فما الغرض من ضرب المثل والقصص في القرآن!؟
ثم إذا فهم هذا الأمر من كتاب الله عز وجل فكيف يتحرك المسلم السني تجاه هذه القضايا؟
‌أ- أن يعلم كل مسلم أن ما يحدث هو بإذن الله وإرادته وحكمته وهو من قدر الله على الجملة.
‌ب- أن يحتسب ويصبر على ما سفك من الدماء وأن يسأل الله أن يقبل من مات من إخواننا في الشهداء.
‌ج- أن يدرك أنه وإن كان الظاهر من هذه الأحداث الشر والفساد إلا أن فيها حكمة بالغة، فلعل الله عز وجل يوحد صفوف المسلمين وتتحد كلمتهم بعدها، فكم من تربية كانت بالخطأ! وكم من نصر جاء بعد المصيبة! وكم من قوة جاءت بعد الضعف والذل!
‌د- أن يجاهد[5] كل مسلم بماله وبنفسه ولسانه في سبيل الإسلام والمسلمين، بقدر الاستطاعة وبحسب الحال والمآل، وأن يبذل الجهد في بيان حقيقة القضية دون تأثير من عاطفة ولا خوف من غير الله العلي الكبير، ولكن كل ذلك بشروطه وأحكامه الفقهية المعروفة، والله أعلم.
وفي الختام أسأل الله عز وحل أن ينصر الإسلام والمسلمين في كل مكان، وأن ينصر المجاهدين في سبيله في كل مكان، وأن ينصر إخواننا في سوريا على أعداء الإسلام والسنة. آمين.
ـــــــــــــــــــــــ
[1] التاريخ الإسلامي، الصلابي (1/30).
[2] أضواء البيان، الشنقيطي (4/408).
[3] زاد المعاد (3/199).
[4] فقه السيرة النبوية للغضبان ص:461-462 نقلا عن السيرة النبوية (عرض وقائع وتحليل أحداث) (2/133-134).
[5] واجب النصرة على المسلم أمر عام، وله خصوصيات بحسب الزمان والمكان والحال وغيرها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *