“أكثروا القتلَ ليقلَّ القتل” ذ.أحمد اللويزة

هذه مقولة الفلاسفة الموصوفين بأصحاب الحكمة، والذين لكلامهم وقع كبير في نفوس من نكتب إليهم وعنهم اليوم؛ حتى يعرفوا حقيقة ما يطلبون وجرم ما به يطالبون..
عنونت بهذه المقولة لدلالتها وغايتها، ومناسبة القول هو خروج زمرة معدودة بين الفينة والأخرى ينادون بإلغاء عقوبة الإعدام، قاصدين إلزام الأكثرية الكاثرة برأي الأقلية القليلة وهذا خبل وقلب للموازين وخبط غني عن كل تعليق.
إن الحياة هبة إلهية ونعمة ربانية وجب رعايتها وحمايتها والعناية بها، وشرع الله أول من قام بذلك حين حمَّل ابن آدم الأول الذي قتل أخاه وزر كل من قتل بعده؛ لأنه أول من سن القتل، وجعل قتل نفس واحدة كيفما كانت كقتل الناس جميعا؛ وإحياؤها كإحياء البشرية جميعا في قوله تعالى: “مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَو جَمِيعًا”.
في الحقيقة ليس بعد هذا التقرير القرآني لأي كلام بشري معنى أو إضافة، لأن نصوص الوحي تُخرص كل ناعق وتفحم كل معاند، ولكنهم لا يقرؤون الوحي ولا يريدون قراءته؛ مخافة أن يسحرهم البيان وتقنعهم قوة الحجة، ومن تم يتخلون عن دعوات باطلة يتبنونها تصادم الدين وتقاطعه، لكنها مطالب هي عندهم بمثابة دفتر تحملات تلقوا عنها تمويلا ودعما ينبغي الوفاء بها إلى آخر رمق ومنها إلغاء عقوبة الإعدام.
كل النفوس تحب الحياة، وحتى الذين يقتلون إنما من أجل الحياة، ولكن بطريق غير سليم، لذلك جاء شرع الله عز وجل ليضمن لهم الحياة ولغيرهم من خلال سن القصاص، والذي يقتضي أن من يقتل (بفتح) الياء يقتل (بضم الياء)، فمن فكر في قتل غيره بأي طريقة وهو يعلم أن القتل ينتظره تراجع عن قراره، وبذلك يحافظ على حياته وحياة غيره وتستمر الحياة.
ولهذه الغاية جاءت مقولة الفلاسفة، غير أنها تكررت فيها لفظ القتل وهو كلمة موحشة، ثقيلة على اللسان والسمع، مرجفة للقلب، وإن أريد بها معنى حسنا مفاده أن أكثروا من قتل القتلة حتى يكف الناس عن القتل لخوفهم من القصاص فيتوقف القتل.
وهذه المقولة هي تعبير بشري، لذلك جاءت على الوجه المذكور في التركيب؛ ومثلها قول البلغاء: “القتل أنفى للقتل” وقولهم: “قتل البعض إحياء للجميع”.
وإن كان لا مجال للمقارنة فلنتأمل كلام رب العباد حين تكلم عن نفس المراد بأوضح عبارة وأفصح بيان وأعذبه وأرقه وأجزله فقال عز من قائل: “وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ”؛ ما أجمله من تركيب وتعبير يطرب السمع ويثلج الصدر ويبعث في النفس الطمأنينة والانشراح؛ حينما تسمع لفظة “الحياة” التي تحبها غاية الحب والتي يضمنها القصاص.
وقد تكلم المفسرون عن الآية وقمة البلاغة الواردة فيها (انظر محاسن التأويل للقاسمي)، فجعل الباري سبحانه القصاص ـولم يذكر لفظ القتل كما فعل الفلاسفة والبلغاءـ سبب الحفاظ على حياة الناس فيعيشوا في أمن وسلام، وهذا قضاء رب الحياة وواهبها لا يرد ولا يتغير، ثم يأتي شرذمة من البشر ليمنعوا القصاص وعقوبة الإعدام بدعوى الحق في الحياة في تعارض مع حكم الله رب الناس؛ وإشفاق على القتلة دون الضحايا.
لا يحتاج أي منصف من الناس ليؤكد له على عدل الله وحكمته فيما شرعه من أحكام وعقوبات وحدود، وليس بين القوم والوقوف على هذه الحقيقة إلا أن يقرؤوا ما ورد من نصوص شرعية لها علاقة بالموضوع، سواء في كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك بتجرد وموضوعية بعيدا عن إكراه المادة والشهرة والعمالة، ودون جحود أو عناد يعميهم عن الحق أو يصدهم عن الخضوع له بعد معرفته.
إن إحداث الضجيج بهذه الدعوة تحوم حوله كثير من الشبهات، ويفتقد إلى الصدق في تبنيها والاعتقاد بصحتها وسلامتها، ولهذا أكثر من دليل.
ولذلك نسأل القوم دعاة إلغاء عقوبة الإعدام فنقول:
إذا كان مطلبكم بدعوى الحق في الحياة الذي تكفله المواثيق الدولية؟
فمن يقتل شعوب الأرض ولاسيما من المسلمين إلا من وضع هذه المواثيق الدولية المقدسة عندكم؟!
وإذا أردتم منع قتل القاتل بدعوى الحق في الحياة، أفليس المقتولون أولى بالحياة من القتلة أم أنهم لا بواكي لهم؟!
وإذا رفضتم إعدام المجرمين بدعوى الحق في الحياة فلم المطالبة بإباحة الإجهاض؟
أو ليست هذه الأجنة لها الحق لها في الحياة؟
أو ليست حياتها أولى من حياة هؤلاء الذين تشفقون عليهم من المفسدين المحاربين للحياة حقيقة؟
لم تتهمون الإسلام بأنه دين القتل وهو أحرص على حياة الإنسان وهو جنين؟
فكيف وهو إنسان يأكل الطعام ويمشي في الأرض؟!!
هل عانيتم من فقد حبيب جراء جريمة قتل؟
ما إحساسكم وما شعوركم؟
ألم تراودكم رغبة الانتقام؟
قد يكون جوابكم على هذه التسؤلات عنادا وإظهارا للإنصاف، ولكن هيهات فليست النائحة الثكلى كالمستأجرة.
ثم أخيرا وليس آخرا: كم من عقوبة إعدام نفذت بالمغرب مقارنة مع دول الفيتو والحريات الفردية وحقوق الإنسان!!! وعلى رأسها أمريكا والصين حتى تقيموا هذه الزوبعة؟
أم إنه دفتر التحملات يوجب عليكم مزيدا من الصراخ. لعلها انكشفت ولا مزيد رغم وجود المزيد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *