احتفاء باليوم العالمي للغة العربية، وتحت شعار «نحو استراتيجية وطنية للنهوض باللغة العربية»، نظم الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية «المؤتمر الوطني الأول للغة العربية» بالمركب الثقافي أكدال بالعاصمة الرباط، وقد امتدت فعاليات المؤتمر على مدى يومين متتاليين (25 و26 دجنبر)، وحضره عدد من الوزراء في الحكومة المغربية، إلى جانب شخصيات وازنة وأعلام في الفكر والسياسة والأدب.
وقد ألقى رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران كلمة في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، أكد من خلالها على ضرورة الرجوع في شأن اللغة العربية إلى أهلها والمتخصصين فيها، دون الالتفات للأصوات النشاز التي تحاول عبثا التشويش وعرقلة جهود المصلحين خدمة لأجندات معروفة.
وأضاف أن المغاربة عربا وأمازيغ عاشوا عبر التاريخ متحدين، ولم يسبق أن حصلت أية مشاكل بين اللغة العربية الفصحى وباقي اللهجات.
من جهته، دعا وزير الثقافة، محمد الصبيحي إلى ضرورة إخراج أكاديمية محمد السادس للغة العربية إلى الوجود، حيث تأتي هذه الدعوة بعد مرور أكثر من عقد على صدور قرار بإحداث هذه الأكاديمية، كما دعا أيضا إلى إحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية؛ مشددا على أن قضية اللغة العربية ليست للمزايدات السياسية والإيديولوجية.
وفي كلمته، قال الدكتور عثمان التويجري، المدير العام للمنظمة الإسلامية للعلوم والثقافة: «إن الهدف الاستراتيجي الذي وضعه الائتلاف لهذا المؤتمر ينسجم مع المبادرة التي أطلقتها اليونسكو منذ سنوات بدعوة جامعة الدول العربية لعقد مؤتمر عربي لأجل قضية اللغة العربية».
كما اعتبر أن الهدف الذي حدده المؤتمر بوضع استراتيجية وطنية للنهوض باللغة العربية، وجعله شعارا له يعبر عن عمق الإدراك بأهمية مسألة اللغة العربية وأبعادها ودلالاتها التي باتت تشكل اليوم إحدى التحديات الكبرى التي تواجه المجتمعات العربية.
مذكرا بكون هذا النداء يأتي في وقت تتعرض فيه لغة القرآن المجيد وتراث الأمة العربي الضخم لخطر كبير من نواحي كثيرة، خصوصا من بعض أبنائها الذين ينصبون لها العداء، ولذلك يتعين تضافر الجهود من كل المخلصين من أصحاب القرار السياسي والمؤسسات المجتمعية للعناية باللغة العربية وإنزالها منزلتها.
أما مداخلة الدكتور عبد الله ساعف، الوزير السابق والباحث الأكاديمي، فقد تركزت حول سرد بعض المحطات الفاصلة التي شهدها قطاع التعليم بالمغرب منذ الاستقلال إلى اليوم، حيث تكلم عن الإكراهات التي واجهت جهود تعريب مؤسسات الدولة عموما، وقطاع التعليم على وجه الخصوص؛ مبرزا مركزية اللغة العربية في الهوية الوطنية، و«توفرها على درجة محترمة من التنافسية في المشهد اللغوي الكوني بين 4000 لغة، وتحتل مواقع طليعية ضمن 14 لغة عالمية؛ وهي تسجل اليوم تطورا على جميع المستويات، بحيث أن الوسائط الجديدة تمنح للغة كفاءات لم تكن لها في السابق، بما فيها الكتب المدرسية رغم محدوديتها، والمطبوعات، والقنوات الفضائية، والرواية، والمنتوجات الإلكترونية…».
مشيرا إلى أن للغة العربية قدرة على تطوير ذاتها بفعل استيعابها القوي لكل الآليات والمستجدات، ولقواعد الولوج في عوالم التقنيات الجديدة، كما أن لها ممكنات ذاتية تسمح لها في مجتمع المعرفة من رفع كل هذه التحديات.
كما شارك بالمؤتمر عدد من المفكرين والباحثين، نذكر من بينهم: الدكتور عباس الجيراري، مستشار الملك، والمفكر الدكتور امحمد طلابي، رئيس منتدى الوسطية، والدكتور أحمد الريسوني، نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والدكتور بنسالم حميش، وزير الثقافة سابقا، والأستاذ امحمد خليفة، والدكتور عبد الصمد بلكبير، والدكتور محمد الحناش، أستاذ الهندسة اللغوية العربية والعامة، وغيرهم من المتخصصين والمهتمين بالشأن اللغوي.
وتجدر الإشارة إلى أن المؤتمر يأتي تكريما لرائد التعريب، الأخضر غزال رحمه الله، والذي كان من المدافعين عن اللغة العربية في مختلف المحافل؛ كما أن المؤتمر يندرج في إطار مجموعة من الأنشطة والفعاليات الموازية، والتي يهدف منظموها إلى الرد على دعوات بعض المستلبين المسوقين للفرنكوفونية إلى اعتماد الدارجة المغربية بديلا عن العربية الفصحى في التعليم الأولي، وهي الدعوات التي قوبلت بهبة قوية من المجتمع المدني الذي أكدت مختلف فئاته على الرفض القاطع لتهميش لغة القرآن لحساب لهجة تفتقر لأدنى المعايير اللغوية.
وقد اختتمت أشغال المؤتمر بمشاركة من الأستاذ فوزي غزال، نجل الراحل الأخضر غزال، تلتها كلمة ختامية من الدكتور فؤاد بوعلي، رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، قبل أن تتم تلاوة نص التوصيات التي رفعها المؤتمرون إلى أصحاب القرار.