جاء عيد الأضحى ليحمل للمسلمين بشائر جديدة وبهجات جديدة، فكبر المسلمون وصلوا وهنأ بعضهم بعضا، غير أن منابرهم وقلوبهم لم تخل من الدعاء لإخوة لهم جاءهم العيد وهم تحت سقف خيمة أو بيت مهدم أو وسط العراء، حيث لا سقف ولا جدران.
ولم ينسوا من تساقطوا تحت قصف الطغاة، فلم ينسوا الأطفال الذين باتوا يحتضنون لبسهم الجديد، فلما طلع عليهم الصباح تكفنوا به، ولم ينسوا من رُمِّلوا من المسلمات، ولا من فقد عزيزا وحِبًّا له في هذا العيد، ولم ينسوا من ضحوا بأرواحهم وأموالهم وأوقاتهم نصرة لهذا الدين.
كذلك فالعيد لم ينسهم إخوة لهم خالطوا الشرك وأهله، وما زلوا يقبضون على إسلامهم، ويسمعون بني جلدتهم كلام الله .
فصدحت منابرهم وحناجرهم في شرق الأرض وغربها بـ”الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد”.
سوريا
ففي سوريا أقبل العيد ونزيف الدم المسلم لا زال ساريا، والأبطال في تساقط مستمر، في معركة بين كفر وشرك وإلحاد من جانب، وبين إيمان وصدق نية وإخلاص لهذا الدين من جانب آخر.
فبعد سويعات من هدنته المزعومة -المخادعة- التي ألزم بها نفسه في أول أيام عيد الأضحى أمطر الطاغية الأسد مدن سوريا الصامدة بوابل من القذائف، وتعقب زبانيته السوريين المتظاهرين في شوارع درعا وحلب ودمشق وغيرها من مدن سوريا الباسلة، وأعملوا فيهم آلة القتل.
ولم تثنهم تكبيرات العيد ولا حرمة هذا اليوم عن تعقب الأطفال واقتناص ما تبقى من الفرحة في قلبوهم، فقام شبيحة الأسد بتفخيخ العربات لسلب هذه القلوب الخضر أرواحها، حيث لقي عشرات الأشخاص مصرعهم وجرح آخرون، إثر تفجير سيارة مفخخة في ساحة تعج بالأطفال والنساء وسط حي الزهور، تم تحويلها إلى ساحة ألعاب للأطفال بمناسبة عيد الأضحى.
بورما
وفي بورما لم يختلف المشهد كثيرا، وكان المسلمون هم الأضاحي في عيدهم، حيث قام البوذيون بقتل ما يزيد عن مائة مسلم ومسلمة خلال الأيام القليلة الفائتة حتى أول أيام عيد الأضحى.. ما أدى إلى تدفق الآلاف من النازحين إلى المخيمات المكتظة في سيتوي عاصمة ولاية راخين (أراكان).
وفي ظل هذه الانتهاكات والمذابح أدى المسلمون صلاتهم دون الاحتفال حزنا على أرواح شهدائهم، وخوفا من مزيد من الانتهاكات، من قبل الجماعات البوذية المتطرفة، المدعومة من حكومة بورما العنصرية.
حيث امتنع 3 ملايين مسلم بورمي عن الاحتفال بعيد الأضحى حزنا على شهداء الروهينجا، وقال ميولات زعيم مؤسسة رانجون لمسلمي بورما، إنهم لن يحتفلوا بالعيد وإخوانهم يقتلون وتحرق قراهم.
وأعرب المسلمون في المناطق النائية، مثل ماندالاي، وايتي كارين، ومون عن المخاوف بشأن عقد الاحتفالات في مجتمعاتهم المحلية هذا العام.
إثيوبيا
وفي إثيوبيا حوّل مئات الآلاف من مسلمي إثيوبيا تجمعات صلاة العيد إلى مظاهرات حاشدة ضد الحكومة الإثيوبية وضد سياستها الهادفة إلى تهميشهم وفرض أفكار معينة على غالبية مسلمي البلاد.
حيث تسعى الحكومة الإثيوبية في دأب شديد إلى فرض فكر طائفة الأحباش الهررية المخالف لمعتقد أهل السنة والجماعة على مسلمي إثيوبيا، ويرى مراقبون أن هذه الخطة من قبل الحكومة تأتي لمواجهة المد الإسلامي واتساع دائرة المنهج السلفي في ربوع إثيوبيا.
كما طالب المصلون في مظاهراتهم بالإفراج عن القياديين الإسلاميين المعتقلين، ومحاسبة المسؤولين عن مقتل مواطنين مسلمين في شمال إثيوبيا الأسبوع الماضي.
روسيا
وفي روسيا التي ظنت أن حربها ضد الإسلام سوف ينهه تدفق الملايين في مساجدها وساحاتها المخصصة للصلاة، وأدوا صلاة العيد في مشهد مهيب وصورة مبهرة، قلما توجد في غير بلاد الإسلام.
وكأن هذه المشاهد تبعث برسالة إلى ساسة روسيا مفادها: أن الإسلام باق مهما تآمرتم ومهما تحالفتم ضده، وأن ما فعلتموه في السابق بالمسلمين لم يزدهم إلا تمسكا بهذا الدين، وأن ما تفعلوا الآن بالمسلمين في سوريا وغيرها لن يثنيهم عن إزاحة الطغاة، ولن يفت في عضدهم، بل سيزيد من إصرارهم وجهادهم.
فلسطين
وفي فلسطين لم تكتمل الفرحة وهو أمر اعتاده الفلسطينيون منذ أن سلبت منهم دولتهم، منذ ما يزيد عن نصف قرن من الزمان. فمنذ هذه الفاجعة وأفراحهم منقوصة وأعيادهم غير مكتملة، ففي كل بيت من بيوتهم إما شهيد وإما مصاب وإما أسير، فكيف تكتمل الفرحة والأحبة غائبون، وفوق كل هذا كيف يفرحون وأراذل الخلق من اليهود يدنسون مساجدهم ويعبثون بمقدساتهم لا سيما المسجد الأقصى.
الأحواز العربي
وفي الأحواز العربي الجريح أطلقت قوى الاحتلال الفارسي ميلشياتها في الشوارع والمدن الأحوازية؛ حيث ظهرت قوى الأمن وشبيحة الاحتلال الفارسي في الشوارع يزرعون الرعب ويروعون الناس وهم مدججين بالسلاح في دوريات محمولة ومشاة، خصوصا في الأحواز العاصمة، بحسب ما جاء في تقرير الجبهة الديمقراطية الشعبية للشعب العربي في الأحواز، وذكر موقع الجبهة أن هذه الإجراءات قد أسفرت عن سقوط جريح بطلق ناري.
فنسأل الله ألا يعيد عيدنا القادم علينا إلا وديار الإسلام محررة من بطش الطغاة، ومن تسلط البغاة والظالمين، ونسأله تعالى أن يكتب من قتل من الموحدين في عداد الشهداء والصادقين، إنه هو الرؤوف الرحيم، وهو القادر على كل شيء.
مركز التأصيل للدراسات والبحوث