من مميزات منهج السلف “الشمولية” أبو إسحاق نور الدين درواش

كان فهم الصدر الأول من الصحابة والتابعين لرسالة الإسلام فهما عميقا شاملا مستمدا من مثل قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون” الحج.

شمولية نابعة من الاعتقاد بأن الله هو الخالق للبشر والعالم بما يصلحه “أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ” الملك.
وأنه سبحانه أكمل الدين وأتم النعمة، وأن النبي عليه الصلاة والسلام أحسن البلاغ فكان الدين الإسلامي من المنظور السلفي عاما كل مجالات حياة الإنسان دون أن يترك جانبا من جوانبها.
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائرٌ يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكرنا منه علماً، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما بقي شيءٌ يُقَرِّب من الجنة، ويُباعد من النار، إلا وقد بُيِّنَ لكم” الصحيحة 1803.
ولهذا كان منهج السلف شاملا كل ما يحتاجه المرء في حياته وبعد مماته، في عقيدته وعبادته وسلوكه ومعاملاته وأخلاقه..، قال شيخ الإسلام رحمه الله: “الشريعة جامعة لكل ولاية وعمل فيه صلاح الدين والدنيا، والشريعة إنما هي كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه سلف الأمة في العقائد والأحوال والعبادات والأعمال والسياسات والأحكام والولايات والعطيات” الفتاوى 19/308
فالعقيدة السلفية عقيدة كاملة شاملة لا نقص فيها ولا تناقض بوجه من الوجوه، عقيدة تجعل الإنسان يعرف ربه معرفة تثمر الإيمان به، والإقرار بأنه الرب الخالق المالك الرازق المدبر لا غيره، وبأنه الإله الواجب إفراده بالعبادة دون سواه، وبأن له من الأسماء الحسنى والصفات العليا ما يجعل المؤمن يعيش محبا كمال الحب لربه، متذللا تمام الذل له سبحانه محكما شرعه في دق أمره وجله.
عقيدة تعرف الإنسان بأصله: “خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ” آل عمران.
وتُبيِّن فطرته التي فطره الله عليها يوم أخرجه في عالم الذر: “أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ”.الأعراف
وتُبيِّن أنه كلما ظهر الانحراف عن هذه الفطرة أرسل الله الرسل يدعون الناس لسبيل الهدى والرشاد ويحذرونهم سبل الضلالة والغواية فَمَن آمن بهم من أهل السعادة فإن له الثواب، ومن كفر بهم وصد عنهم وناوأهم كان مستحقا للعقاب.
والعبادة على منهج السلف عبادة شاملة، فما من عضو من الأعضاء إلا وله دور في تحقيق العبادة، إذ المسلم السلفي يعبد الله بقلبه وبلسانه وبسمعه وبصره وسائر أعضائه، وهكذا الأزمنة والأمكنة فما من زمان ولا مكان إلا ولله فيه علينا عبادة معينة سواء كانت فعلية أو تركية، ولا تسل عمَّا في ذلك من الخير العميم والفضل العظيم.
ولهذا قال رِبْعي بن عامر رضي الله عنه لرستم قائد الفرس:”ابتعثنا الله لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام”.
ولهذا كانت الدعوة السلفية داعية إلى الإسلام كله دون تبعيض أو تجزيء قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ” البقرة
قال ابن جرير: “وأولى التأويلات بقوله: “ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ” قول من قال: معناه: ادخلوا في الإسلام كافة..
أما غيرها من الدعوات الإسلامية فهي تأخذ جزء من الإسلام إما تربويا، أو دعويا، أو سياسيا، أو عقديا، فتُمحور دعوتها عليه، أو تختار أصولا خمسا، أو عشرين، أو خصالا عشرا، ..فتجعلها أساس دعوتها ناهيك عما يشوبها من تحريف أو تأويل أو غلو.
فلا يجوز في منهج السلف وأخذا بشمولية الدين الأخذ ببعض شرائع الإسلام وإغفال أخرى، أو الأخذ بما جاء به الإسلام من عقيدة وعبادة وأخلاق، وإغفال ما شرعه الله في نظام الحكم ومنهج الحياة وتنظيم علاقات المسلمين مع بعضهم ومع غيرهم.
ومن مظاهر شمولية منهج السلف أن أتباعه يذكرون من النصوص مالهم وما عليهم، أما خصومهم فيذكرون ما لهم ويسترون ما عليهم..وكذا جمع النصوص الشرعية في الباب الواحد قبل إصدار الحكم، وعدم الاقتصار في ذلك على بعضها دون بعض.
ومنهج سلف الأمة تشمل دعوته الناس كافة فلا تقتصر على أبناء جنس أو عرق أو لون أو طبقة أو فئة… فالإسلام دين الناس جميعا غنيّهم وفقيرهم، صغيرهم وكبيرهم، عربيهم وعجميهم.. وكل من احتاج إلى الدعوة والتوجيه وبَلغته الخطى والكلمات نالته دعوة الداعي على منهج السلف.
ولما أعرض النبي عن ابن أم مكتوم وقد أتاه سائلا مُوجِّها خطابه لبعض عظماء قريش طامعا في إسلامه أنزل الله معاتبا نبيه عتابا جميلا: “عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى..”.
منهج عالمي يروم إيصال الرحمة للناس جميعا “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ” الأنبياء.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *