ثقافيات
بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، 18 دجنبر، نقدّم للقارئ الكريم الكتاب أسفله. كتاب “كفاح وطني من أجل لغة التدريس: تاريخ المعركة بين التعريب والفرنسة في المغرب من 1920 إلى 2019″، للشيخ حماد القباج، منشورات مركز بلعربي العلوي، الطبعة الأولى، 2019.
كتاب جمع فيه مؤلفه “مقالات ودراسات وتقارير وبيانات… صادرة عن مؤسسات وشخصيات وطنية؛ توثق جانبا هاما من تاريخ الكفاح الوطني في سبيل سيادة اللغة الرسمية للدولة المغربية، وتبرز رؤية قيادات ورموز الحركة الوطنية في موضوع تعريب التعليم؛ الذي أجمع الوطنيون على كونه مبدأ أساسيا في السياسة التعليمية…”. (من تقديم المؤلف لكتابه).
في هذا الكتاب، يربط المؤلف بين استعمارين لغويين، قديم وجديد؛ يربط حاضر “الفرنسة” بماضيها، في:
– باب الفصول والمقالات.
– باب الوثائق والبيانات.
– باب التقارير والدراسات.
– وملحق الأعلام أيضا.
هي معركة مستمرة إذن، ولم تنتهِ بعد. صراع بين “دعاة الفرنكوفونية” و”نخب الحركة الوطنية”، صراع كان يتمّ تحت نيران الرصاص زمن الاستعمار العسكري، وهو اليوم يتمّ تحت نيران الابتزاز والاختراق “الفرنكوفوني”، داخل المؤسسات الإعلامية والتعليمية والثقافية… إلخ.
إن هذا الكتاب، الذي بين أيدينا، ليلخص معركة الماضي والحاضر، ويدفع بها قدُما إلى الأمام، في سبيل تحرير القدرات الوطنية المغربية، من بقايا الاستعمار ونتائجه، نهائيا.
مكتبتكَ في تاريخ المغرب
هو مختصَر لكتاب “الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى”، ذي المجلدات التسعة، لمؤلفه الشيخ أحمد بن خالد الناصري. اشتغل الدكتور عبد الصمد بلكبير على اختصاره، وإعادة نشره، ضمن منشورات “مجلة الملتقى”، في ثلاثة مجلدات (= ثلاثة أجزاء):
– الجزء الأول: الفتح الإسلامي، الأدارسة، المرابطون، والموحدون.
– الجزء الثاني: المرينيون، الوطاسيون، والسعديون.
– الجزء الثالث: العلويون.
وفي وصفه لمختصَره، يقول عبد الصمد بلكبير:
“ما زال هذا الكتاب صالحا لثقافة المغاربة، وذلك مقارنة إلى نمط التاريخ الاستشراقي بجميع أنواعه. ولأجل تيسير شيوعه، فإن هذا التلخيص لم يتدخل في النص مطلقا، إلا على سبيل تخفيفه مما ليس تاريخا، بل فقط توسعا نحو حقول معرفية أخرى مختلفة، وذلك حسب حاجيات السلف لنمط “الموسعات”، الأمر الذي لم يعد ضروريا ولا مستساغا في كتب وكتابات وذوق العصر الراهن ومتطلباته ورهاناته الثقافية.
رحم الله الشيخ، وجميع الرواد السلفيين والوطنيين المؤسسين، فقد استمروا أحياء في وطنهم وبين أبناء شعبهم أكثر من بعض “الأحياء”؟!”. (من الغلاف الخلفي للجزء الأول من “المختصَر”)
نافذة على مشروع فكري
كتاب “الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان”، من أهم كتب الدكتور عبد الوهاب المسيري، بل هو جامع معالمها الكبرى. فيه، نقدٌل”المرجعية النهائية الكامنة” بـ”المرجعية النهائية المتجاوِزة”، ونقد لـ”العقل الأداتي” بـ”العقل النقدي”، ونقد لـ”الحلوليات الكمونية جميعِها” بـ”التجاوز”، ونقد ل”التعاقد” بـ”التراحم”، ونقد لـ”الإنسان الجنساني أو الاقتصادوي أو العدواني” بـ”الإنسان المتجاوِز لماديته (تفسير الأرض بالأرض)”، ونقد ل”الصهيونية كلحظة عَلمانية نماذيجية شاملة” ب”لحظة يتحرر فيها الإنسان من “قفصه الحديد” ويبحث عن تفسير لذاته خارج قوالب ثنائية المادة/ الطبيعة”.
الكتاب بمثابة محاكمة ل”الحداثة الغربية”، وبالتالي ل”ما بعد الحداثة” كنتيجة تلقائية وحتمية لها. ولذلك، فإن صاحبه لا يميز في الفكر الحداثي الغربي بين مدرسة وأخرى، وبين منهج وآخر…إلخ. داروين، فيورباخ، هيجل، نيتشه، ماركس، فرويد… إلخ؛ كلهم “أبناء الحلوليةالكمونية”، لا تمييز بين المادي والمثالي منهم، ولا بين الجدلي وغير الجدلي منهم، ولا بين التاريخانيوالوضعاني منهم، ولا بين المحافظ والثوري منهم، ولا بين “الحداثي” و”ما بعد الحداثي” منهم؛ كلهم أبناء “الواحدية المادية” و”نفي التجاوز بالكمون”، كلهم ينفون ذلك “الجانب الآخر للطبيعة البشرية، والمتجاوز للطبيعة/ المادة، وغير الخاضع لقوانينها، المقصور على عالم الإنسان، المرتبط بإنسانيته، المعبر عن نفسه من خلال مظاهر عديدة، من بينها نشاط الإنسان الحضاري (الاجتماع الإنساني، الحس الخلقي، الحس الجمالي، الحس الديني)”. (راجع كتاب عبد الوهاب المسيري “الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان”)
يختلف كثيرون مع المسيري، وينصب اختلافهم معه على نقطتين:
– عدم التمييز نظريا بين المدارس الفكرية الغربية، ولو كانت ذات “مرجعية نهائية كامنة”. وهو ما لم يهتم به المسيري، لأنه كان مهتما بإرجاع تلك المدارس كلها إلى مرجعيتها (الكامنة).
– تفسير البنى الفوقية بذاتها، لا بشرطها التاريخي. وهذا مما يناقض “النموذج التفسيري” لعبد الوهاب المسيري، إذ يرفض تفسير الأرض بالأرض، ويبحث عن التفسير النهائي في السماء.
ومهما كان النقد الموجَّه لعبد الوهاب المسيري، فقد نجح إلى حدّ بعيد في إنتاج “إيديولوجيا” على النقيض من “الإيديولوجيات الما بعد حداثية”، وقد كان بحقّ على النقيض من “الرأسمالية المتوحشة المتعفّنة والمحتضَرة التي تصدّر أزماتها إلى دول الجنوب، ومنها الدول العربية الإسلامية”.
فنون: (النقد الإيديولوجي السينمائي)
أفلام هشام العسري: اللامعنى في قالب سينمائي (1)
وحيث تصبح للامعنى جمالية، تتحول السينما إلى أداة من أدوات “الرأسمالية المتوحشة المحتضَرة”. وهكذا، تصبح أفلام المخرج المغربي هشام العسري مجرد أداة لبعثرة أوراق الذهن، ونشر فوضى التفكير، فضلا عن تفكيكها للقيم الجامعة (ما يسميه العسري “التقاليد المكبِّلة”). إن ما تنتجه “كاميرا التصوير” المضطربة من فوضى، في أفلام العسري، ليس إلا الشكل الذي يستبطن فوضى المضمون وعبثيته. تلك هي ميول العسريالعولمية والعدمية(وعادة ما يبدي إعجابه بفريديريك نيتشه)، تلك هي ميوله التي تملي عليه زرع الفوضى في الشكل والمضمون معا. فيتحول الفيلم السينمائي إلى انتقال من موضوع إلى موضوع بشكل صادم، ومن الاستقرار إلى الاضطراب (والعكس) بشكل مروّع، ومن الظاهر إلى الخفي على طريقة الهدم، تحت قناع سميك، هو قناع “سينما النخبة والعمل على ترقية تفكير الجماهير”. إنها الجماهير الجائعة، بفعل “الاستعمار الجديد”، يسعى العسري إلى إقناعها بأنّ “التقدم كلَّه في الهجرة إلى الغرب الرأسمالي، إلى ما بعد حداثته، إلى فساده، إلى أزمته الخانقة”. فلا تقتنع، ولكنها تطبّع مع الفوضى واللامعنى، وتُدفَع دفعا إلى طرح “إشكاليات زائفة” ليست حتما هي “إشكالياتها الحقيقية”.