بيان حال خطيب النمسا (8) حقيقة تكفير ابن تيمية من يصر على الجهر بالنية كتبه: طارق الحمودي

من غرائب الأستاذ عدنان الدالة على تسرعه في الأحكام أو كذبه أنه اتهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بأنه من المتساهلين في التكفير خلاف ما يعتقده الناس فيه؛ واستدل لذلك بكون ابن تيمية يكفر المصر على الجهر بالنية في الصلاة ونقل عنه أنه قال في مجموع الفتاوي: (يستتاب وإلا قتل)؛ واستدل بذلك على أن ابن تيمية إنما قال ذلك لأنه يكفره!!!
قلت: وهذا ظلم شنيع وكذب صارخ على ابن تيمية.. فكتبه موجودة مطبوعة.. ولا عذر للأستاذ في هذا؛ ولا يقال أخطأ لأن مثل هذه الأمور تحتاج إلى تبين قبل البث فيها، والصحيح أن ابن تيمية لم يقل هذا أبدا؛ إنما قال في مجموع الفتاوى (22/232): (ينبغي له أن يؤدب تأديبا يمنعه عن ذلك التعبد بالبدع وإيذاء الناس برفع صوته؛ لأنه قد جاء الحديث: “أيها الناس كلكم يناجي ربه فلا يجهرن بعضكم على بعض بالقراءة”، فكيف حال من يشوش على الناس بكلامه بغير قراءة؟ بل يقول: نويت أصلي فريضة كذا وكذا في وقت كذا وكذا من الأفعال التي لم يشرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وقال أيضا في الفتاوى (22/233):
(الحمد للّه، الجهر بالنية في الصلاة من البدع السيئة، ليس من البدع الحسنة، وهذا متفق عليه بين المسلمين، لم يقل أحد منهم: إن الجهر بالنية مستحب، ولا هو بدعة حسنة، فمن قال ذلك فقد خالف سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإجماع الأئمة الأربعة وغيرهم. وقائل هذا يستتاب، فإن تاب، وإلا عوقب بما يستحقه).
وقال في مختصر الفتاوى المصرية (ص:10): (فإن أصر على الجهر بالنية عزر).
فلاحظ قوله: (عزر) وقوله: (عوقب بما يستحقه) ولم يقل يقتل.. ففاعل ذلك لا يستحق القتل.. وإنما استحق العقوبة والتعزير والتأديب لأنه كما قال ابن تيمية يؤذي الناس زيادة على تعبده بالبدع.. ويظهر أن ابن تيمية يتحدث عن من يفعل ذلك في مساجد الجماعة ويظهر تلك البدعة.
وبهذا تعرف أن الأستاذ عدنان هدانا الله وإياه كذب على ابن تيمية رحمه الله تعالى؛ وهذا خلاف المنهجية العلمية والأمانة الأدبية والله المستعان.. فهل لا تزال مطمئنا إلى خطابات الأستاذ أخي الفاضل وأختي الفاضلة.. أعتقد أنه آن الأوان لمراجعة موقفك منه .
ومن أخطاء الأستاذ هدانا الله وإياه؛ إن لم يكن ذلك تدليسا؛ أنه زعم بناء على ما مرّ وأنه كان متساهلا في التكفير وأنه تراجع عن ذلك في آخر حياته!!! لما نضج!!! ناقلا عن الذهبي أنه سمع ابن تيمية أشهد على أني لا أكفر أحدا من أهل القبلة.. والأستاذ يشير إلى ما ذكره الذهبي في المجلد الخامس عشر في الصفحة 88!
وقد أخطأ الأستاذ مرة أخرى هنا…خطأين اثنين
أولهما: أن قول ابن تيمية ذلك في آخر حياته لا يعني أنه لم يعتقدها قبل ذلك، وإلا فقد افتتح الذهبي نقله عن ابن تيمية بنقل مثله عن الإمام أبي الحسن الأشعري ونص كلام الذهبي في السير (15/88):
(رأيت للأشعري كلمة أعجبتني وهي ثابتة رواها البيهقي، سمعت أبا حازم العبدوي، سمعت زاهر بن أحمد السرخسي يقول: لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري في داري ببغداد دعاني فأتيته، فقال: أشهد على أني لا أكفر أحدا من أهل القبلة، لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد، وإنما هذا كله اختلاف العبارات.
قلت: وبنحو هذا أدين، وكذا كان شيخنا ابن تيمية في أواخر أيامه يقول: أنا لا أكفر أحدا من الأمة، ويقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن فمن لازم الصلوات بوضوء فهو مسلم).
فهل كلام الأشعري يعني أنه كان يكفر قبل ذلك.. وأنه ما قالها إلا بعد ما نضج.. وتراجع!
ثانيها: ما نقله الأستاذ عن ابن تيمية ليس من كلام ابن تيمية بل هو من كلام الأشعري وأما ما قاله ابن تيمية فهو: (أنا لا أكفر أحدا من الأمة).. هذا فقط من باب بيان الأخطاء المنهجية عند النقل، وإلا العبارتان متقاربتان إنصافا.
ومن الأدلة على أن كلام ابن تيمية لا يدل على أنه قاله تراجعا عن الغلو في التكفير؛ أن كتبه طافحة ببيان المسلك الشرعي في تكفير من يجب تكفيره بالأدلة والبراهين ببيان شروطه وموانعه؛ مما جعل الأستاذ عبد المجيد المشعبي يجمع ذلك في كتاب سماه (منهج ابن تيمية في مسألة التكفير) فهل كل ما كتبه ابن تيمية من كتبه المشهورة كان تراجعا..!؟
قاصمة:
قد يقول قائل هذا لا يدل على شيء مما قلته.. فأقول فهاك ما يقطع النَفَس في صدر كل ظالم ويثلج صدر كل منصف؛ وهو كلام قاله ابن تيمية سنة 706هـ أي قبل موته بـ 22 سنة!!! في رسالته التي كتبها وهو في سجن الجب في القاهرة والذي استمر فيه نحو العام والنصف!!! وقد ذكرها الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية في حوادث عام 705.. (14/344؛ دار صبح)!!
ونص كلام ابن تيمية المشار إليه في مجموع الفتاوى (3/229) (3/147/دار الوفاء): (هذا مع أني دائما ومن جالسني يعلم ذلك مني: أني من أعظم الناس نهيا عن أن ينسب معين إلى تكفير وتفسيق ومعصية، إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافرا تارة، وفاسقا أخرى، وعاصيا أخرى، وإني أقرر: أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها، وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية والمسائل العملية، وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر ولا بفسق ولا معصية).
.فهل يا عدنان إبراهيم.. 22 سنة قبل وفاته هي أيضا.. من أواخر حياته!!
فارجع إلى الكتاب المذكور آنفا مشكورا لتعرف أن التكفير المنضبط بقواعده بعيدا عن الشطط والغلو والإفراط كان منهجا لابن تيمية لا استثناءا!!
تنبيه:
قد يشاغب البعض بأنه أفتى بالقتل والجواب أنه قال ذلك فيمن زعم أن الجهر بالنية من دين الله وأنها واجبة كما ورد في السؤال.. وليس هذا محل البحث.. لأن ما ذكره عدنان هو الجهر بها والإصرار على الفعل.. ولم يذكر عدنان مسألة القول بأنها من دين الله تعالى وأصر على هذا القول.. فالثانية كذب على الله.. ومن أصر على الكذب على الله بعد قيام الحجة خلاف من يفعل ويصر على الفعل جهلا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *