إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ : أبو محمد عادل خزرون التطواني

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
مَا عَرَفَتِ البَشَرِيَّةُ وَلَن تَعرِفَ مُنذُ أَن أَهبَطَ اللهُ آدَمَ عَلَى الأَرضِ أَعظَمَ وَلا أَشرَفَ وَلا أَجَلَّ مِن محمدِ بن عبد الله نَبيُّ الرَّحمَةِ وَالمَلحَمَةِ، محمدٌ خَاتَمُ أَنبِيَاءِ اللهِ وَرُسُلِهِ، محمدٌ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، محمدٌ صَاحِبُ الحَوضِ المَورُودِ وَالمَقَامِ المَحمُودِ، وَحَامِلُ لِوَاءِ الحَمدِ وَالمَخصُوصُ بِالشَّفَاعَةِ العُظمَى، محمدٌ الشَّاهِدُ البَشِيرُ النَّذِيرُ، وَالدَّاعِي إِلى اللهِ بِإِذنِهِ وَالسِّرَاجُ المُنِيرُ، الصَّادِقُ المَصدُوقُ الرَّؤُوفُ الرَّحِيمُ صَاحِبُ الخُلُقِ العَظِيمِ، الهَادِي إِلى الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ.
قال فيه حسان رضي الله عنه:
وضمَّ الإلـهُ اسمَ النبيِّ إلى اسْمـه *** إذَا ما قال في الخمسِ المؤذِّن أشهدُ
وشـقَّ لـه مـنِ اسمِـه ليُجلَّـه *** فذو العرش محمـودٌ وهـذا محمّدُ
وقال أيضًا:
نبيٌّ أتـانـا بعـد يـأسٍ وفَتـرةٍ *** من الرسل والأوثان في الأرض تعبدُ
فأمسـى سراجًا مستنيرًا وهَـادِيًا *** يَلوح كمـا يلوح الصقيل الْمهنَّدُ
ويقول كعب في بُردتِه:
أُنْبِئتُ أنَّ رسولَ الله أَوعَدَني *** والعفوُ عِند رسولِ الله مأمَولُ
إلى أن قالَ:
إنَّ الرسول لنورٌ يستضاء به *** ومهنَّد من سيوفِ الله مسلولُ

هذه كَلِماتٌ موجزة ومعاني مقتَضَبة، وهي غيضٌ من فيضٍ مِن صفاتِ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم الذي ارتَضاه خالق البشَر ليكونَ خاتمًا لرسُلِه ونبيًّا لكافّة خلقه، فاصطفَاه واجتباه وخصَّه بالخصائصِ الكبرى والصِّفات العظمى. وفي تفاصيل سيرتِه وجزئيّات حياته وهديِه من الخصائِص الأخلاقية والسِّماتِ الأدبيّة ما تسابق العلماء إلى كتابتِه وتسطيره، وتنافستِ الأقلامُ في ذِكره وتعدادِه، وتبارتِ الأفكار في عرضه وإيضاحه؛ حتى أصبح بحقٍّ مثالاً أعلى للخلق الكريم من جميع وجوهِه ولِقِيَم الخير والفضيلة من شتّى جوانبها.
وَمَهمَا أَطَالَ مُتَكَلِّمٌ أَو فَصَّلَ خَطِيبٌ أَو مَدَحَ شَاعِرٌ أَو وَصَفَ أَدِيبٌ، فَلَن يُوَفِّيَ نَبيَّ اللهِ حَقَّهُ، وَلَن يَبلُغَ بِرَسُولِ اللهِ قَدرَهُ. وَمِنْ أَعجَبِ العجب في عَالَمِ اليَوْم الَّذي يُنَادِي أهلُه بالحرّيّة والمسَاواة واحْترامِ الآخرين أن تنخرِطَ جهاتٌ كثيرة بعضُها عن جهلٍ وكثيرٌ مِنْها عَنْ مَكرٍ وَسُوءِ نيةٍ وحِقد دَفينٍ في الصُّدُور، تَنخرِطُ بتُهْمَةِ الإسلام ونبيِّه العظيم وتصويرِه بالإرهابِ والعنف وسيِّئِ الأوصاف في حملةٍ شَرِسة ضدَّ الإسلام ونبيِّ الإسلام، حملةٌ شرِسَة تحتمل اتِّهامات كاذبةً وتشكيكات باطِلة ومثَالبَ سَاقِطة وتجريحاتٍ وقِحة، حَمَلات تُثِيرُ زَوابِعَ منتِنة وَتَنفثُ سمومًا متنوِّعة.
كلّ ذلك وهم يعلمون أنَّ ما يزعمونه كذِبٌ فاضح وقَلبٌ للحقائِقِ وتحريضٌ عَلى الصِّراع بين الحَضَارات، وصدَق الله إذ يقول: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً)، فَمَا ذَلِكَ مِنهُم -وَرَبِّ العِزَّةِ- بِمُستَنكَرٍ وَلا مُستَغرَبٍ، كَيفَ وَتِلكَ شِنشِنَةٌ مَعرُوفَةٌ مِنهُم وَلهم فِيهَا أَسلافٌ مِنَ المَاضِينَ، (قَدْ بَدَتِ البَغضَاءُ مِن أَفوَاهِهِم وَمَا تُخفِي صُدُورُهُم أَكبَرُ قَد بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُم تَعقِلُونَ).
وَإِنَّهُ مَا بُعِثَ نَبيٌّ وَلا أُرسِلَ رَسُولٌ مِن لَدُنْ نُوحٍ إِلى محمدٍ عَلَيهِمَا الصَّلاةُ وَالسَّلامُ إِلاَّ كَانَ لَهُ نَصِيبٌ مِن إِيذَاءِ الجَاهِلِينَ وَعِنَادِ المُتَكَبِّرِينَ وَاستِهزَاءِ المُستَهزِئِينَ، قَالَ سُبحَانَهُ: (وَلَقَدِ استُهزِئَ بِرُسُلٍ مِن قَبلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنهُم مَا كَانُوا بِهِ يَستَهزِئُونَ)، وَقَالَ جَلَّ وَعَلا: (وَمَا يَأتِيهِم مِن رَسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَستَهزِئُونَ)، وَقَالَ جَلَّ وَعَلا: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبلِهِم مِن رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَو مَجنُونٌ).
فلقَدْ لاَقَى النَّبِيُّ -بِأَبِي هُوَ وأُمِّيْ- صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ الصَّدُودِ.. وصُنُوفِ الأذَى والبَلاءِ مِنَ المشْركِينَ واليهُودِ، فِي دَعْوتِهِ النَّاسَ للإسلامِ مَا لا يخْفَى على صِبْيانِ المسْلمِينَ وغِلْمَاِنِهمْ بَلْهَ عوامِّهِمْ ورِعَاعِهِمْ. ولَيْسَ جَدِيدًا ولا بِدْعًا من الحَدَثِ أَنْ يَعْمَدَ أَعْداءُ الإسلامِ من مختَلفِ المِللِ إلى اسْتِهْدَافِ نَبِيِّنَا وحَبِيبِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، ومحاولةِ المساسِ به -بأبيْ هُوَ وأُميْ- صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ؛ والملاحظُ أنَّ الأَخْلاَفَ يَسِيرُونَ على خُطَى أَسْلاَفِهِمْ حُذْوَ القُذَّةِ بالقُذَّةِ، معَ اخْتِلافِ الأساليبِ وتنوعها.
واللهُ جَلَّ وعَلَا قَدْ حَسَمَ كُلَّ محاولةٍ للنَّيلِ مِنْ النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وأَخْزَى أَصْحَابَهَا، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (إنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَر). وقال سبحانه: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وأَعْرِضْ عَن المُشْرِكينَ. إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ).
وَسُبْحَانَ الله؛ فكُلَّمَا استَهزَأَ الكَفَرَةُ بِالحَبِيبِ صلى الله عليه وسلم كَانَ في ذَلِكَ ارتِفَاعٌ لِصِيتِهِ وَذِكرِهِ عَلَيهِ الصلاة والسَّلامُ، وَمِن ثَمَّ انتِشَارٌ أَكبرُ لِدِينِ الإِسلامِ، وَكُلَّمَا استَهزَأَ الجَاهِلُونَ بِالحَبِيبِ صلى الله عليه وسلم كَانَ ذَلِكَ دَاعِيًا لِلمُسلِمِينَ لِلتَّمَسُّكِ بِهَديِهِ وَسُنَّتِهِ وَالعَضِّ عَلَيهَا بِالنَّوَاجِذِ.
وأُلْفِتُ النَّظَرَ هُنَا إِلى حَقَائِقَ ثَابِتَةٍ رَاسِخَةٍ:
الأُوُلَى: نَبِيُّنَا وحَبِيبُنَا محمَّدٌ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، نبيُّ الأمَّةِ، حَازَ خِصال الكمالِ في الأنبياءِ كلِّهم واجتَمَعت فيه، وتخلَّق بجميع أخلاقهم ومحاسِنِهم وآدابهم حتّى صارَ صلى الله عليه وسلم أكملَ الناس وأجمَلَهم وأَعلاهم قَدرًا وأعظمَهم محلاًّ وأتمَّهم حُسنًا وفضلاً.
جمع محاسنَ البشرية كلِّها، واتَّصف بالبرِّ الشامِل والرِّفق الكامِل. دَلَّ عَلى ذَلكَ القُرْآنُ والسُّنَّةُ، والتَّوراةُ، والإِنجيلُ في نصُوصِهِمَا الَّتِي لَمْ تُحَرَّف وتُبَدَّل وتُغَيَّر، رُغْمِ أَنْفِ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ.
رَوَى البيهقيّ وأبو نُعيم والطَّبراني عن عائشةَ رضي الله عنها قالَت: قامَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: “أتاني جبريلُ فقال: قلَّبتُ مشارقَ الأرض ومغاربها فلم أرَ رجُلاً أفضَل من محمد”.
وفي الصحيح عن أنسٍ رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال»: أُتِيَ بالبراق لَيلةَ أسرِيَ بي، فَاستُصعِبَ عليه، فقالَ جبريل: أبِمحمَّدٍ تفعل هذا؟! فما ركِبَك أحدٌ أكرم على الله من محمّد«.
الثَّانِيةُ: أقَرَّ القَاصِي والدَّاني قَدِيمًا وحَدِيثًا، بدءًا بِصَنَاديدِ الشِّرك، وأَئَمِّةِ الكُفْرِ في زمنهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، وانتهاءً بِالمنْصِفِينَ المتَأَخِّرِينَ، والمعَاصِرينَ مِنَ المثَّقَّفِينَ والمفَكِّرِينَ المسْتَشْرِقِينَ.. بِصِدْقِ نُبُوَّةِ النَّبيِّ الأَكرمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -وإنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ- وخَضَعَوا لِفَضْلِهِ، وعَظَمَتِهِ، وسُمُوِّ خُلُقِهِ، وكَرِيمِ خِصَالِهِ، وعُلُوِّ مَكَانَتِهِ، وعَظَمَةِ شَرِيعَتِهِ، بَلْ عَدَّهُ المتأخِّرونَ مِن أَفَرَادِ عُظَمَاءِ رِجَالاتِ العَالمِ، وهي شهادةُ حَقٍّ؛ وَمَا هَذِهِ الفِرْيَةُ إِلاَّ مُحَاولَةٌ فَاشِلَةٌ لِلْحَيْلُولَةِ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ الإِسْلاَمِ، وَالحدّ مِنْ انتِشَارِهِ؛ إِذْ يَمْلِكُ الإسْلاَمُ في دَاخِلِهِ مِنْ أَسْبابِ الإِقْنَاعِ وَالإشْبَاعِ الرُّوحِيِّ مَا يَجْعَلُهُ مَلاَذَ النُّفُوسِ والأرْوَاحِ السَّلِيمَة، وَلذَا انْتَشَرَ الإِسْلامُ في بِلادِ لمْ يَدْخُلْهَا المسْلِمُون بجيوشهم أو علمائهم، وإنما دَخَلَهَا أفْرَادٌ مُسْلِمُون لأغراضِ التِّجَارَةِ وَغَيْرِهَا، رآهُمْ النَّاسُ فأعجبهُمْ سَمتُهُمْ وَدَهَشَتْهُمْ أَخْلاَقُهُمْ، وحُسنَ تأدّبهم بالإسْلام، فَسَألُوا عَنْ هَذا الدِّين ثُم دَخَلُوهُ عَنْ رَغْبَةٍ وَحُبٍّ لا عَنْ رَهْبَةٍ أوْ خَوْفٍ.
فديننا لم يكن يومًا مَا وَراء أيِّ كارثةٍ من كوارث التاريخ، ومِن أقربِها لعالم اليَوم الحروبُ العالمية التي قُتِل فيها عشراتُ الملايين، لم يَكن الإسلامُ سَببًا لجرائِمِ التَّميِيز العنصرِيّ التي ثارَت في كثيرٍ مِن بقاع العالم، والتي لا تخفى على سياسيٍّ ولا عالم اجتماعي، لم يكن الإسلام على علاقةٍ بأيٍّ من الكوارِث النوويّة الهائلة التي شهِدَها القرن الماضي والحالي، والتي تهدِّد العالم واستقرارَه وأمنه.
ولم يكن الإسلام ولا نبيُّه سببًا لما يعانِيه العالم في كثيرٍ من بقاعِه من فقر وتخلّفٍ وأمراض، بل إنَّ الإسلام وتعاليمَ نبيِّ الإسلام بكلِّ ما تضمَّنته من خيراتٍ ورحمة ولين ورفقٍ وإحسان لو تمسَّكت بها البشريّةُ حقَّ التمسّك لما حصل لها ما حصل من هلاك ودمارٍ وشقاء وظلمٍ وعَناء، بل لحصَّلت كلَّ خير وسعادةٍ وأمنٍ وسلاَم، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}. فَلاَ مَجَالَ للشَّانئينَ مِنْ محَاولةِ النَّيلِ منهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، بِأَسَالِيبَ هَمَجِيَّةٍ رَخِيصَةٍ.
الثَّالِثَةُ: أَنَّ صِرَاعَ الحقِّ مَعَ البَاطِلِ، وتَرَبُّصَ أَعْدَاءِ الإِسْلامِ بِأَهْلِهِ لَنْ يَزُولَ ويَنْتَهِي.. وسَيَسْتَمِرُّ الأَعْدَاءُ في محاولاتِ نَيْلهِمْ من الإِسْلامِ والمسلمينَ مَا بَقَوا.. لهذا على أَهْلِ الإِسْلامِ أَنْ يَكُونوا عَلى مُسْتَوى الحَدَثِ قَبْلَ وُقُوعِهِ، وبَعْدَهُ، وأَنْ يَتَعَامَلُوا معه بما يَقْتَضِيهِ العِلْمُ، والِحْكمَةُ المشروعَةُ.
الرَّابِعةُ: أَنَّ الإِعْراضَ عَنْ سَفَهِ السُّفَهَاءِ، واسْتِدْرَاجِ البُلَهَاءِ ِفي مُحَاوَلاتِهمْ الشَّانِئةَ لِلإِسَاءَةَ للنَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، مَقْصَدٌ شَرعيٌّ؛ أَلاَ تَرَى كَيْفَ أَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بِهَذا، فقال سبحانه: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وأَعْرضْ عَنْ الجَاهِلينَ). وأَلاَ تَقْرَأُ قَوْلَهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: (وإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا)، وقوله سبحانه: (أُولِئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وعِظْهُمْ وقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا). وقوله: (وإِذَا رَأَيتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْره. وقوله: {خُذِ العَفْوَ وأْمُرْ بِالعُرْفِ وأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ}.
الخامسة: لاَ يَضُرُّ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ، ولاَ المسْلِمُونَ قَاطِبَةً مَا يُحَاوِلُ الأَعْدَاءُ نَشْرَهُ مِنَ الفري والبَاطِلِ عَنِ النَّبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، بَلْ ثَبَتَ أَنَّ في ذَلكَ خَيْرًا كَثِيرًا؛ فَقَدْ تَسَبَّبَ ِفي إيقاظِ كَثيرٍ منَ المسْلِمِينَ الغَافِلِينَ، للوفاءِ بِحُقُوقِ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.. كمَا كَانَ سَبَبًا في دُخُولِ كَثِيرِينَ فِيْ الإِسْلاَمِ، ولله الحمد.
ولِهَذَا يَنْبَغِي عَلَى المسْلِمِينَ: التَّفطنُ لِلأغْراضِ السِّياسِيَّةِ، والفِكْريَّةِ والعَقَائِديَّةِ الَّتي مِنْ أَجْلِهَا يَتِمُّ بينَ الفينةِ والأُخْرَى مُحَاوَلةُ نَشْرِ مَا يُسِيءُ إِلى النَّبي الأَكْرَمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، والتَّعَامُلُ بِحِكْمَةٍ وعَقْلٍ مَعَ تِلْكَ المحَاوَلاتِ البَائِسةِ، وسُلُوكُ السُّبلِ المشروعةِ للرَّدِّ عَلى الشَّانِئينَ والحَاقِدِينَ بالجِدِالِ والحِوارِ بالَّتي هِيَ أَحْسَنُ، وبالمقاضاةِ، والهَجْرِ، والمقَاطَعَةِ، وغَيْرِ ذلك، والبعدُ عَنْ رُدُودِ الأَفْعَالِ العَجْلَى.. وكلُّ طَرِيقٍ غَيْرِ مُنْضَبِطٍ، وأُسْلُوبٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ.
وفي الحقيقة: إِنَّ من أبلغِ الرُّدُودِ والدِّفاعِ عَنْ النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: إِظْهَاُر المُسْلِمِ لشَعَائِرِ الإِسْلامِ، وإتباعُ هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، والتَّمسُّكُ بسنتهِ ظَاهِرًا وبَاطِنًا، عَقِيدةً وسلوكًا؛ فَلْيَنْظُرْ كُلٌّ مِنَّا حَالَهُ. واللهُ غَاِلبٌ عَلى أَمْرِهِ ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ.
فَالأمّةَ الإسلاميّة مُطَالبَة وهي تسمع الهجَمَاتِ الشرسة على هذا النبيّ العظيم أن تثبِتَ للعالم أنَّ هذه الهجمات لا تزِيدُها إلا رجوعًا إلى مَعينِ المحبّة الصادقة لهَذا النبيّ الكرِيم والتمسك بسيرته وهديه ونسفِ المستنقعات الآسِنَة مِنَ الأفكار التي لا تتَّفِق مع دعوتِه وسيرته وهَديه وطريقته. عليها أن تبيِّن للعدو أن هذه الأمّةَ لنْ تفرِّط في شيءٍ مِنْ ثَوابِتِهَا مهما كادَ لها الكائدون ومكرَ بها الماكرون.
وإنَّ هَذه الهَجماتِ الشَّرسةَ لَتَفْرِض علينَا أن نُجنِّدَ القلوبَ والأقلامَ ووسائلَ الإعلام إلى عَرض السيرةِ العطرة والحياة الطيّبة لأعظم إنسان وأفْضَلِ مخلوقٍ محمّدٍ عليه أفضْل الصَّلاة والسَّلام مِن واقع أوثَق المصادر العلميّة لسيرته التي سطرتها الأيادي الأمينة والكتابات الموضوعيّة الصادقة. واجبنا -نحنُ المسْلمِين- أنْ نَسْعَى بكلّ ما أُوتينَا من مقوِّمات ووسائل لنقدِّم حياةَ الرسول الطاهرة ورسالتَه العظيمة بما فيها من الفضائل والمحاسنِ إلى العالَم ليعرِف المنصِف والجاهلُ الحقيقةَ التي يشوِّهُها الحاقِدون ويحرِّفها الحاسُدون وَأَبشِرُوا وَأَمِّلُوا خَيرًا؛ فَإِنَّ الدِّينَ ظَاهِرٌ وَالحَبِيبَ مَكفِيٌّ وَمَنصُورٌ, (هُوَ الَّذِي أَرسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكُونَ)؛ (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَد نَصَرَهُ اللهُ)؛ (إِنَّا كَفَينَاكَ المُستَهزِئِينَ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *