الشباب المسلم

مرحلة الشباب هي الفترة الذَّهبية من عمر الإنسان، وهي التي ترسم ملامح مستقبل المرء وتحدِّده، لاتِّسام الشباب فيها بالفورة والحماسة والقوة والنشاط، والشعور بالذات، والاعتداد بالرأي، ورقة المشاعر، ورهف الأحاسيس، والاستعداد للتضحية في سبيل تثبيت المعتقدات وتحقيق المبادئ والأفكار التي يحملها.

فللشباب في هذه المرحلة سلوكيات ترتبط أساسًا بطريقة تصوُرهم للأمور، ونظرتهم إلى ما يدور حولهم، ونمط تفكيرهم في مختلف القضايا، فلهم مقاييسهم ومعاييرهم الخاصة التي يزنون بها الأشياء، والتي كثيرًا ما تكون عبارة عن ترجمة لِما يؤمنون به في هذه المرحلة بالذَّات -بغضِّ النظر عن موافقتها للحقِّ وعدمه-، والتي تكون بدورها أثرًا ونتيجةً للمناخ العامِّ، والتوجه السائد.
ولهذا حرص الإسلام كلَّ الحرص على غرس مبدأ الولاء للدِّين الحنيف كعقيدة في المؤمنين، وذلك حتى يبقى الإسلام هو مدار حياة المسلم، يعيش ويحيا له، حتى يلقى ربه.
إنَّ الشباب هم طاقة الأمة وقوتها، وعمادها ومصدر عزتها، قد جعلهم الله -عز وجل- من أعظم أسباب بلوغ المعالي والقمم -لا تشذُّ عن ذلك أمة من الأمم-، ومن أكبر مقومات بناء مجد الأمة، وصناعة تاريخها، فشباب اليوم هم رجال الغد، “وهم الأصل الذي يبنى عليه مستقبل الأمة، ولذلك جاءت النصوص الشرعية بالحثِّ على حسن رعايتهم وتوجيههم إلى ما فيه الخير والصلاح، فإذا صلح الشباب وهم أصل الأمة الذي يبني عليه مستقبلها -بعد توفيق الله سبحانه، وكان صلاحه مبنيا على دعائم قوية من الدِّين والأخلاق-، فسيكون للأمة مستقبل زاهر” (من مشكلات الشَّباب لابن عثيمين4).
إنَّ الاهتمام بالشباب والعناية بهم أمارة خير في الأمة المسلمة، ودليل فلاح فيها؛ لأنَّ صلاحهم يعد من مسالك صلاح الأمة في حاضرها ومستقبلها، فمنهم يكون العامل والبناء، والمهندس والطَّبيب، والمعلِّم والمربِّي، والصانع والحرفي، والكاتب والإعلامي، وطالب العلم والعالم الرّباني، وغيرهم من صنوف الشباب العامل النافع لبلده وأمته، لا الشباب العاطل القابع عن التقدم والرقي، المتنكِّر لأصالته وهويته.
هذا؛ وقد عني الإسلام أيّما عناية بهذه المرحلة الحساسة، وأولاها اهتمامًا بالغًا، وذلك حتى تستغلَّ هذه الفترة الاستغلال الأكمل، ويستفاد منها الاستفادة المثلى، في تحمل الأعباء والتكاليف، والقيام بالواجبات والمسؤوليات على أحسن وجه.
إنَّ عملية نقل الشباب من مزالق الغواية إلى مرابض الهداية تقتضي التدرج في سلَّم المعالي، وفق أصول وقواعد تُضبَطُ فيها المنطلقات والغايات، حتى لا يتيه الشبابُ في دوامة من صياغات للعقلية المسلمة تتجاذبها آراء عدة، ونظريات إدة، بعيدة كلَّ البعد عما أراده الله -عز وجل- من الغرس الذي يغرسه في هذا الدِّين الإسلاميِّ الحنيف.
عن أبي عِنَبَةَ الخَوْلاَنِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: “لاَ يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ في هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ في طَاعَتِهِ” أخرجه أحمد وغيره وهو حديث حسن.
ولا شك أن قيمة الغرس بقيمة ما يُستعمل فيه وله، فإذا استُعمل في الطاعة المرجوة كان نِعمَ الغرس للأمة، يثمر سلوكًا وأخلاقًا إيجابية فعالة يظهر أثرها الطَّيِّب في المجتمعات المسلمة، ولو تباعدت أقطارها، واختلفت ألسنتها.
فهذه هي الصِّياغة التي نبغي، والصِّبغة التي نريد، صياغة تغرس معنى العبودية الحقة لله -عز وجل- في نفوس الشباب المسلم، وتزرع مفهوم إفراد النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- بالاتِّباع -دون من سواه-، والعمل بمنهج الله -عز وجل- في الأرض بأسمى معانيه، وأعلى ما فيه، من إقامة التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، والعمل بشرع الله ظاهرًا وباطنًا، والاهتداء بهدي النبيِّ المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، كلُّ ذلك في إطار وسياج فهم سلف الأمة، رضوان الله عليهم أجمعين.
وقد سجل التاريخُ الإسلامي الحافلُ بالإنجازات لمسةَ تقدير وعرفان لثلَّة من الشباب المؤمن، على مر الزمان، آثروا الأخذ بأسباب التمكين، من الإيمان بالله جل وعلا، والاهتمام بالعلم النافع والعمل الصالح، والحرص على معالي الأمور، وعدم الركون إلى الدعَة والفتور، أو الاشتغال بسفاسف الأمور، قال الله -عز وجل- عن إبراهيم -عليه السلام-: (قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ)، وقال عن أصحاب الكهف: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا)، كلُّ ذلك في إيمان ثابت، ويقين راسخ، ونفس مشبعة بالاعتزاز بالدِّين.
إنَّ سنن الله -عز وجل- في الكون غلاَّبة، ومنها سنة التدافع بين الحقِّ والباطل، كما قال الله -عز وجل-: (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ)، فلا بد من تحدِّيات وعقبات في الطَّريق، تعوق السائرين فيها، وتعرقل سيرهم، فتصرفهم عن القيام بالدور الذي أُنِيطَ بهم، أو تمنعهم من أداء المهمة التي أُسندت إليهم، من عمارة الأرض بالإيمان والعمل الصَّالح، وذلك كلُّه ليحصل التمحيص بين الغَثِّ والسمين، ويتمحض الانتساب الصادق إلى الدِّين، من الادِّعاء الكاذب والمَيْن.
إنَّ التحدي الصارخ الذي يواجه الشبابَ المسلم المتمثل عموما في الشهوات والشبهات يحتِّم عليه معرفة ما يجب القيام به حياله، وكيفية مواجهته، المواجهة الإيجابية البَناءَة؛ ولذا كانت منزلة الفتوة (الشباب) عند السلف، هي في اتِّباع السنة، كما قال سهل -رحمه الله- وغيره.
ذلك لأن اتباع السنة والاعتصام بها أمان من الانزلاق في غياهب الجهالة والجهل، ومن الوقوع في دياجير الفتنة والمحنة.
إنَّ قوةَ الشباب المسلم تكمن في ثباته على دينه وصلابته فيه، وتمسكه به، واستقامته على سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، مع الاشتغال الدائم بالعلم النافع، وعمارة الأوقات بالعمل الصالح، بنفس تواقة إلى العُلا، وطموحة إلى المعالي، ودون تراخٍ أو تقصير في إشاعة الأمل والرجاء في نفوس الناس، حتى تهتز مشاعرهم إلى هذا الدِّين الحقِّ، وتربو معرفتهم به، وذلك بدعوتهم إليه على بيِّنة وعلم وهدى وبصيرة.
هذا الذي يلزم الشباب المسلم ويكفيه؛ لاستئناف حياةٍ كريمة أَبية، من غير تنادٍ بالعرقية أو الإقليمية أو الحزبية أو سائر شعارات التبَعية للأفكار الهدامة الوضيعة والوضعية.
قال العلامة البشير الإبراهيمي رحمه الله: “..يا شباب الإسلام! وصيَّتي إليكم أن تتَّصلوا بالله تديُّنًا، وبنبيِّكُمْ اتِّباعًا، وبالإسلام عملًا، وبتاريخ أجدادكم اطِّلاعًا، وبآداب دينكم تخلُّقًا، وبآداب لغتكم استعمالًا، وبإخوانكم في الإسلام ولذاتكم في الشَّبيبة اعتناءً واهتمامًا، فإنْ فعلتم حُزْتُمْ منَ الحياة الحظَّ الجليلَ، ومن ثواب الله الأجرَ الجزيلَ، وفاءت عليكم الدُّنيا بظلِّها الظَّليلِ” (آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي 4/121).

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *