مداخل إبليس طارق برغاني

الشيطان ألذ أعداء الإنسان، وهو المخلوق الوحيد الذي ناصب آدم وذريته العداء منذ أن خلقه الله عز وجل من طين، وأعلن جهارا عداوته له أمام الله تعالى وملائكته، بعدما استكبر ورفض السجود له؛ عاصيا بذلك أمر الله تعالى له.
يقول الله تعالى: “إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ” ص:71-76.
وكثيرا ما يذكرنا الله تعالى بهذا الموقف ويوضح لنا شدة عداوة إبليس وجنده لبني البشر، يقول الله تعالى: “إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ”، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم يؤكد ذلك ويبينه، بإرشادنا إلى اتخاذ الحيطة واتقاء فتنته في أحاديث كثيرة، يقول صلى الله عليه وسلم: “إنَّ الشيطانَ يَجري منَ الإنسانِ مَجرى الدمِ ” البخاري: 3281. وقال عليه الصلاة والسلام: “ما منكُم من أحدٍ إلَّا وقد وُكِّلَ بهِ قرينُهُ منَ الجنِّ. قالوا: وإيَّاكَ يا رسولَ اللَّهِ؟ قال: وإيَّايَ إلَّا أنَّ اللَّهَ أعانَني علَيهِ فأسلَمَ فلا يأمرُني إلَّا بخيرٍ” مسلم: 2814.
فإليك أخي القارئ بعض من مداخل إبليس لغواية العباد، وصدهم عن السبيل، مؤيدة بأدلتها الشرعية، تنبيها وتحذيرا حتى نقطع عنه بعض منافذ إضلاله وإغوائه.
الشهوة: ويشترك فيها الهوى وشهوة النفس (النساء، الملذات والإسراف فيها من الأطعمة والبنيان والقصور والتكالب على السلطة والجاه.. متى استعملت في غضب الله تعالى)، وهذه من أعظم مداخل الشيطان وبها استطاع إضلال خلق كثير وإبعادهم عن الحق، يقول الله عز وجل: “زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْـمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْـخَيْلِ الْـمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْـحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْـمَآبِ” آل عمران:14، يقول الحسين بن مسعود البغوي: “بَدَأَ بِهِنَّ -أي النساء- لِأَنَّهُنَّ حَبَائِلُ الشَّيْطَانِ” تفسير البغوي:2/15.
السحر: هو مناقضة الفطرة الربانية التي برأ الله تعالى عليها الكون والمخلوقات ومعاكسة للمنهاج العقلي والشرعي بابتداع أعمال وطقوس شيطانية تزيد إبليس وأعوانه سطوة واستحكاما في من يَتعلمها أو يُعلمها، قد تصل في بعض الأحوال إلى عبادة الشيطان والعياذ بالله، يقول الله تعالى: “وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ” البقرة: 102.
التلبيس: قد يلجأ الشيطان إلى مدخل الالتباس واشتباه الأمور وتخليط الأولويات على العباد، كجر العبد إلى إشغاله بحفظ الأشعار والأزجال وصرفه عما هو أولى كحفظ القرآن والحديث، يقول الله عز وجل: “وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ” الأعراف: 175.
الفتنة: يسعى إليها الشيطان دائما وأبدا، فإما أن يكون سببا في نشأتها وإشعال فتيلها تأصيلا، يقول رب العزة: “لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ” الحج: 53.
وإما يتخذ من وجودها سلفا، تمهيدا ومطية لإذكائها وتأجيجها واستشرائها واستفحالها، يقول الله تعالى: “يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا” الأعراف:27.
المال: جَبل الله تعالى الإنسان على حب المال والانجذاب إليه، فاستغل الشيطان هذا المدخل للنفاذ إلى قلبه ونفسه ووسمه بطبائع ذميمة كلها مرتبطة بحب المال، كالجشع والطمع والمنع والبخل وغيرها، تُمرِض النفس وتُعتِم نور القلب، يقول الله تعالى: “وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا” الإسراء:64.
الأمل وتزيين العمل: كثير من العباد يعلمون أن أجل الإنسان في هذه الدنيا محدود والموت مصيره المحتوم، إلا أن ارتباطه الشديد بالدنيا وتسويفه المستمر وتمنيه على الله الأماني، يفتح للشيطان مدخلا واسعا، للتغرير به وصرفه عن التفكر في الآخرة والعمل لها، يقول الله تعالى: “وَلَأُضِلَّنَّهُمْ ولَأُمَنِّيَنَّهُمْ ولَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ ولَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ۖ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا” النساء:119-120.
ومن ذلك أيضا تزيين الشيطان الأقوال والأعمال الباطلة له، وإظهارها له في صورة الحق، وطمأنته بالوعود الكاذبة، وإظهارها مظهر الصواب، يقول العزيز الجبار: “وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ” الأنفال:48.
التخويف: وهذا مدخل للشيطان ليُرهب ويُربك به أصحاب القلوب الوهنة وذوي الإيمان الضعيف والعقيدة المتذبذبة، ليقذف في قلوبهم الشك والريبة والرهبة، يقول الله تعالى: “إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ” آل عمران:175. والحقيقة الصادقة التي يعتقدها أهل الإيمان وتشهد لها النصوص هي باختصار قول الله عز وجل: “إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا” النساء:76.
الغضب: الغضب في عمومه مذموم وهو مفتاح شرور كثيرة، والشيطان يتحين فرصة الغضب التي لا يتمالك فيها الإنسان نفسه فيستحثه إلى ارتكاب الذنب، الذي قد يصل إلى حد قتل النفس، يقول الله تعالى مخبرا عن موسى: “فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ” القصص:15.
يقول الإمام الطبري: “وقوله: “قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ”، يقول تعالى ذكره: قال موسى حين قتل القتيل: هذا القتل من تسبب الشيطان لي بأن هيج غضبي حتى ضربت هذا فهلك من ضربتي..” تفسير الطبري: 19/542.
وفي السُّنة أن رجُلانِ استبَّا عند النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. فجعل أحدُهما يغضبُ ويحمرُّ وجهُه، فنظر إليه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال: “إني لَأعلمُ كلمةً لو قالها لذهب ذا عنه: أعوذُ بالله من الشيطانِ الرجيم” مسلم:2610.
قول كلمة “لو”: هذه الكلمة التي تجعل الإنسان يعلق قلبه بالأوهام وكثرة الشكوى وأحيانا التسخط والاعتراض على قضاء الله تعالى وقدره، مما يخدش في حقيقة التوكل والتفويض والاستعانة بالله تعالى، يقول جل ذكره: “المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللَّهِ منَ المؤمنِ الضَّعيفِ، وفي كلٍّ خيرٌ، احرِص على ما ينفعُكَ، واستِعِن باللَّهِ ولا تعجِزْ، وإن أصابَكَ شيءٌ، فلا تقُل: لو أنِّي فعلتُ كان كذا وَكَذا، ولَكِن قل: قدَّرَ اللَّهُ، وما شاءَ فعلَ، فإنَّ لو تَفتحُ عملَ الشَّيطانِ” مسلم: 2664.
حديث النفس والوسوسة: وهذا مدخل واسع من مداخل إبليس، لا يسلم منه إنسان إلا من عصمه الله تعالى، فيسعى الشيطان عبره إلى قذف الشكوك الفاسدة والهواجس الباطلة والأوهام الضالة في قلوب العباد، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “يأتي الشيطانُ أحدَكم فيقولُ: مَن خلَق كذا، مَن خلَق كذا، حتى يقولَ: مَن خلَق ربَّك؟ فإذا بلَغه فلْيَستَعِذْ باللهِ ولْيَنتَهِ” البخاري:3276.
الخلوة واعتزال الجماعة: الشيطان يتربص بالعبد في حركاته وسكناته، ومتى توفرت له فرصة أو مدخلا لفتنة العبد أو الاستفراد به إلا وسارع إليها ونفذ من خلالها، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أحبَّ منكم أن يَنالَ بَحبوحةَ الجنَّةِ فليلزمُ الجماعةَ، فإنَّ الشَّيطانَ معَ الواحدِ، وَهوَ منَ الاثنينِ أبعدُ، ولا يخلونَّ رجلٌ بامرأةٍ فإنَّ ثالثَهُما الشَّيطانُ” السلسلة الصحيحة للألباني:430.
اللهم إنا نعوذ بك من همزات الشياطين ونعوذ بك اللهم أن يحضرون.
والحمد لله ر ب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *