الجريدة الأولى وفتاوى جمال البنا حمّاد القباج

لعل المتابعين لما ينشر في الصحف يستحضرون الضجة التي أثارتها [الجريدة الأولى] حول ما سمي فتوى زواج الصغيرة، والتي حُرِّف فيها تفسير معروف عند العلماء، وجعل منه فتوى تدعو إلى تزويج الصغيرات.

كما نستحضر تتابع الصحف العلمانية على تضخيم الموضوع وإظهار التباكي على الطفولة، والغيرة عليها من “البيدوفيليا” والهدر المدرسي.
وهاهي ذي الجريدة تعيد تطاولها على باب الفتوى؛ من خلال تبني بعض شذوذات جمال البنا المعروف بتحريفه الصارخ لبعض أحكام الدين؛ كقوله بعدم وجوب الحجاب، ومشروعية اقتصار الموظفين على صلاتين في اليوم، ومشروعية شرب الدخان في رمضان، وعدم اعتبار القُبلة إثما كبيرا ولو في الحرام …إلـخ.
شذوذه الذي أشادت به هذه اليومية في عددها (430)؛ هو قوله بمشروعية الرقص في مقالة بجريدة “المصري اليوم” بتاريخ 19/8/2009 زعم فيها بأن “رقص المرأة لا يتعارض مع الإسلام في شيء”!
وقال: “ليس من العجيب إذن أن يجتمع الرقص والإسلام، ولا من المستبعد أن تكون راقصة في أعلى عليين من الجنة”!!
ومن هنا جزم بتصويب ما ذهبت إليه إحدى الرقصات الشهيرات في مصر في قولها: “الرقص فن محترم، وغير صحيح ما يتردد عن تحريمه. والقضية أولاً وأخيراً المغالاة في تفسير كل شيء والمزايدة على الفن.. ما حدث من سنوات تحريم الفن لم يكن ضد الفن فقط، بل كان ضد كل شيء جميل.. ضد الأدب والشعر والموسيقى والغناء والمرأة.. كل شيء أصبح محرما”!!
وقد بنى البنا قوله هذا على تأويل محرف غريب لحقيقتين شرعيتين: “حتمية وقوع الإنسان في الذنب”، و”سعة رحمة الله”، أسس به لنوع من “الإرجاء الخطير”، وهو ما سأبينه في مقالة لاحقة إن شاء الله.
.. يأتي نشر صحيفة مغربية لهذا التحريف في سياق مبادرة هيكلة الحقل الديني؛ بما يعنيه ذلك من ضبط مسألة الفتوى وتكييفها مع المذهب المالكي ..
وهذا يجعلنا نتساءل:
أين دور الوزارة المعنية في التصدي لهذه الفتاوى الشاذة التي لا يختلف عالمان من المالكية وغيرهم في إنكارها؟
كيف يسمح لجريدة علمانية أن تنشر ما تهوى من الفتاوى والأحكام المحرفة للدين؟
ألا يعد نشر مثل هذا الكلام نوعا من التشغيب على الثوابت والأخلاق والسكينة العامة؟
هل يجادل مسلم -فضلا عن عالم- في أن الرقص اجتمعت فيه محرمات مجمع على منافاتها للدين؛ من إظهار المرأة لزينتها، وإبراز لمفاتنها؛ والله تعالى يقول: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور/31].
ويقول: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور/31].
وهذا عين ما تفعله الراقصة، مع ما يرافق ذلك ويحيط به من تبرج فاضح ودعوة إلى الزنا ومعاقرة للخمور وغناء ساقط..
وهو ما أوحت به الصورة الخليعة الساقطة التي وضعتها (الجريدة الأولى) في صدر مقالتها، ممعنة في الاستخفاف بالدين وأحكامه.
إن هذه الجريدة بما نشرته في هذا المقال -وأمثاله- تفصح عن نوع الدين الذي يتماشى، بل يتماهى مع مستلزمات الفكر الذي يدعو إليه أصحابها، وهو الفكر العلماني الذي يسعى لتحريف الدين، ولي ذراع أحكامه لإخضاعه لقناعات العلمانية التي تريد سجنه في المساجد والضمائر، واختزاله في طقوس وشعائر، وإقصائه عن باقي مناحي الحياة؛ فلا سلطان له على السلوك الاجتماعي، ولا على المجال الاقتصادي والسياسي، ولا مجال عند العلمانيين لدين يحرم على الناس التبرج والرقص والمهرجانات الصاخبة والاختلاط والعري على الشواطئ …إلـخ.
هذا دين مرفوض عند العلمانيين، ولذلك يتتبعون زلات أشباه العلماء، وتحريفات الجاهلين، وتأويلات المبطلين لمحاربة هذا الدين القائم على نصوص صريحة وثابتة المعنى.
فهلا تحرك الخلف العدول من علماء المجالس العلمية والرابطة المحمدية لنفي هذا الضلال، وهلا وقف علماء المجلس الأعلى في وجه هذه الفتاوى الخارجة عن المذهب المالكي؛ بل عن الإسلام كله، وأصدروا بلاغا يزجر الصحافة العلمانية عن التطاول على الدين والقول فيه بالتشهي والهوى، وقد علموا فتاوى علماء المذهب في حكم من هذا شأنه..
{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران/187].

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *