“الفرنكفونية” حرب على لغة القرآن ومحاولة للقضاء على الهوية أحمد السالمي

المتجول في شوارع بلدنا الحبيب يهوله الكم الكبير من الإعلانات التي تحمل أسماء غير عربية،..كـ “Magic Parc”، و”إلكتريت هاوس”، و”club beach”.. فهذا يشعر المواطن بأنه يعيش في بيئة غريبة عن هويته، ولا يقتصر هذا الأمر على اللوحات الإشهارية بل يتعداها إلى أساليب الحوار عند البعض، والتي تشكل مزيجا بين اللغة العربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية، وما هذا إلا تكريس للغة محتل الأمس وهجران وتقليل من شأن لغة القرآن، ودليل على تمكن الفرنكفونية من السيطرة على عقول الكثير من أبناء هذا الوطن وتسخيرهم لخدمتها ونشر أفكارها وثقافتها.

فالمأساة التي تمر بها لغة القرآن في عصرنا هذا ليس لضعف فيها ولكن لضعف في أهلها الذين رضوا أن تغزو بلدانهم وشعوبهم لغات أجنبية استمرءوا الكلام بها بدلا عن لغتهم التي هي من أبرز مقومات هويتهم، وقد استغل الغرب هذا الوهن السائد، فسعى إلى قطع صلة الأمة بماضيها وتراثها ودينها الإسلامي، وجعلها تابعة له تبعية مطلقة عن طريق إحلال لغاته محل اللغة العربية في تنشئة الأجيال. كما جاء هذا الطرح في نص دورية اليوطي (المقيم العام الأول للمغرب) بعث بها بتاريخ 16 يونيو 1921: “إن اللغة العربية عامل من عوامل نشر الإسلام، لأن هذه اللغة يتم تعلمها بواسطة القرآن، بينما تقتضي مصلحتنا أن نُطوِّر البربر خارج إطار الإسلام، ومن الناحية اللغوية علينا أن نعمل على الانتقال مباشرة من البربرية إلى الفرنسية”. الفرنكفونية والسياسة اللغوية والتعليمية الفرنسية بالمغرب: د. عبد العلي الودغيري، ص: 86.

مظاهر الفرنكفونية وبنياتها
تمثلت السياسة الفرنكفونية في المظاهر الآتية:
أولا: إنها أخذت انطلاقتها على أيدي زعماء أفارقة (كان من أوائلهم سنغور، ديوري، مبوتو، بانغو، عبده ضيوف)، وهم لا يتعصبون لها “إلا لأنهم يحسبونها عوامة نجاتهم من القلاقل والهزات السياسية والاقتصادية داخل بلدانهم، وفرنسا إما في الخفاء وإما علنا لا تبخل عليهم ماديا وعسكريا، ولا سيما إن رأت فيهم حراس مصالحها وحماة نفوذها في القارة” الفرنكفونية ومأساة أدبنا الفرنسي: د. بنسالم حميش، ص 45.
ثانيا: أحدثت الفرنكفونية أجهزة وتنظيمات للحفاظ على هيمنتها في العالم المعاصر، وخاصة في المستعمرات القديمة؛ وهكذا وضعت لها بنيات رسمية، وأصبحت لها مؤتمرات ووزراء. بل لقد أصبحت هناك “جمعية دولية للبرلمانيين الناطقين بالفرنسية”.

دول وهيئات تابعة للمنظمة
ويجدر بنا أن نبين أن المنظمة الدولية للفرانكفونية (OIF) التي حلت مكان وكالة التعاون الثقافي والتقني (ACCT) أصبحت بمثابة الأمانة العامة لمختلف المؤسسات الفرانكفونية من ناحية وضع الخطط والبرامج، ومتابعة تنفيذها والإعداد لمؤتمرات القمة، وينضوي تحتها في الوقت الحالي الهيئات التالية:
ـ الوكالة الجامعية للفرانكفونية (AUF)، وتشمل أكثر من 400 مؤسسة جامعية ومدارس كبيرة ومعامل ومراكز أبحاث.
ـ الجامعة الدولية الفرنسية للتنمية الأفريقية “جامعة سنجور” بمدينة الإسكندرية المصرية، وتهدف إلى إعداد الكوادر العليا ولاسيما في البلاد الأفريقية.
– الجمعية الدولية لرؤساء البلديات في البلدان الفرانكفونية.
– قناة التلفزيون الدولية الفرانكفونية (TV5) الموجهة إلى أكثر من 300 مليون مشاهد فرانكفوني.
وتضم المنظمة خمساً وخمسين دولة، منها ثلاث دول تشغل صفة مراقب وهي (بولندا وسلوفينيا وليتوانيا).. وتجتمع هذه الدول جميعها على رابطة اللغة المشتركة، وهي اللغة الفرنسية التي يبلغ عدد الناطقين بها من سكان دول المنظمة 500 مليون شخص، منهم 175 مليوناً تعد الفرنسية لغتهم الأولى، وتبلغ ميزانية المنظمة الفرانكفونية 150 مليون يورو سنوياً.
ومن الجدير بالذكر أن الثقافة الفرنسية مدعومة أيضاً ب 1060 مركزاً ثقافياً موزعا على 140 دولة، وتقدم دروساً باللغة الفرنسية إلى أكثر من 370 ألف طالب، وتؤدي دوراً بارزاً في توثيق الروابط الثقافية والحضارية بين فرنسا والدول الموجودة فيها.

الرحالي الفاروقي مناضل ناهض فرنسة التعليم المغربي
كان الشيخ الرحالي الفاروقي من الأصوات القوية والواضحة في الدفاع عن العربية وعن عروبة المغرب، والمحاربة لفرنكة المجتمع المغربي الأصيل، فدعا إلى “العض بالنواجذ على لغة الوحي والقرآن، التي هي أصل أصيل، وركن ركين… وكذلك التشبث والاعتزاز بالعلوم العربية، والأصالة الإسلامية” مقالات ومحاضرات الشيخ الرحالي الفاروق [3/271 – 272].
فأنّى لشعب أن يتحرر ولسانُه تستعبده لغةٌ أجنبية؟ وأية كرامة لشعب يتنكّر للغته؟
إن الإعراض عن اللغة العربية “يُسبب فساد الأفكار، ويُشجع على تخريب الديار”.
كما أن الشيخ رحمه الله تعالى ناهض خطة المسؤولين عن قطاع التعليم، بعد الاستقلال في المغرب، الذين عملوا على توطيد التعجيم في المدرسة المغربية بجلبهم من الخارج (طابوراً) يُعززون به ما عندهم من طوابير المعلمين والأساتذة الفرنسيين لقهْر العربية بين أهلها.
وأن أذناب الاحتلال الغاشم قد “ظلوا يُرددون هم وحفدتُهم أن العربية قاصرةٌ عن أداء المعاني العالية، ويتلذذون بمخرج الغين الباريسية على حساب مخرج الراء العدنانية” المرجع نفسه [4/3383].
ختاما لقد تمكنت الفرنكفونية من فرض سيطرتها على كل المجالات بما في ذلك الصحافة، التي تلعب دورا بارزا في توجيه عقول الناس، فهي تخدم التغريب وطمس الهوية ونشر الرذيلة ومحاربة كل ما له علاقة بالدين.
وقد اعتبر د.عبد العلي الودغيري الفرنكفونية حرباً صليبية لها رايتها، وصليبها، وقناعها؛ فهي عنده سياسة “تُستعمل لاصطياد الشعوب وإيقاعها فريسة للشركات الكبرى، ومخالب الرأسمالية”.
فهل بقي في ديارنا من يُحس بالاضطرار إلى خوض معركة تحرير لغته؛ خوفا من أن تنطمس عقيدته وتُهان كرامتُه؟ وتنداس هويته؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *